طرابلس ــ عبد الكافي الصمدلا يهدأ مخيم البداوي ليلاً ولا نهاراً، ولا يكاد شبّانه يرقدون في فراشهم سوى ساعات قليلة، وإذا فعلوا ذلك، فإن آخرين يبقون يقظين كي يتابعوا ما يجري في قطاع غزة لحظة بلحظة عبر شاشات التلفزيون، بعدما باتت أخبار القطاع بالنسبة إليهم أكثر أهمية من الأكل والشرب، وهيمنت على كل نواحي حياتهم.
ومع أن أغلب شبان المخيم يكادون يصلون الليل بالنهار لهذه الغاية، وينظمون تظاهرات ويشعلون شموع، هم وفئة واسعة من شبان مخيم نهر البارد الذين نزحوا إليه منذ أحداث مخيمهم قبل أكثر من سنة، وخصوصاً خلال اليومين الماضيين بعد بدء الهجوم الإسرائيلي البري على القطاع وما تنقله الشاشات عن فظائع ما يجري هناك، فإن شوارع وأزقة مخيم البداوي لا تكاد تفرغ من اعتصام وتظاهرة دعم، حتى تنطلق عقبها تظاهرة أخرى، تكون النساء وطلاب المدارس عادة أبرز المشاركين فيها.
«تحرّكنا هو أضعف الإيمان، وهو أقل ما يمكن أن نقدمه لأهلنا في القطاع»، يقول إبراهيم ياسين في معرض حديثه عن هدف التحركات التي يقوم بها وأمثاله، فيما يوضح أحمد عبد الله أنه «إذا لم نقم بذلك ونعبّر عن غضبنا، فإننا «رح نطق ونموت»، فما يجري لا يحتمل السكوت عنه أبداً». أما نعمان صادق فيستغرب سؤالنا ويسأل بدوره: «هل المطلوب أن نرى أهلنا يُقتلون ويُذبحون على أيدي الإسرائيليين وأن نسكت؟».
هذا الغليان الذي يشهده مخيم البداوي يعكسه الحشد الكبير الذي يشارك في التحركات التضامنية من مختلف الفصائل والشرائح الاجتماعية، واللافتات التي ترفع في التظاهرات، إضافة إلى الهتافات التي يطلقها المشاركون فيها، والتي كان آخرها ما جرى في تظاهرة طلاب مدارس الأونروا أمس، عندما رفعوا لافتات كتب عليها: «غزة عطشت، غزة جاعت، أين النخوة منكم ضاعت»، و«جوع، ألم، مرض، صبراً غزة»، و«قلوبنا معك يا غزة يا مدينة الصمود»، و«لك الله يا غزة، شهداؤنا في الجنّة وقتلاهم في النار»، إضافة إلى هتافات تنتقد الأنظمة العربية، أصبحت من كلاسيكيات التظاهرات، وتحديداً مصر والسعودية، ومنها: «العربي وينو وينو، عم يسكر بالكازينو». ومع أن هذه الهتافات واللافتات باتت قاسماً مشتركاً بين أغلب التظاهرات في المخيمات الفلسطينية، فإن بعض شبان المخيم، الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم، لم يكتموا انزعاجهم من «محاولات منعنا من القيام بذلك خلال التظاهرات والاعتصامات التي جرت في طرابلس، لأن فريقاً من اللبنانيين يريد أن يتضامن معنا، معتبراً أن القضية الفلسطينية لا تزال قضيته، شرط أن لا نتناول بسوء من يفرض الحصار على القطاع، ويمنع دعمهم، أو يشارك في التآمر عليهم، فضلاً عن عدم رضاه عن رضانا عن حزب الله وتأييدنا له».