لندن ــ الأخبارعند ضفتي نهر «التايمز» في «ويستمنستر»، في قلب العاصمة البريطانية، مشهدان مختلفان. الأول يمتد من «لندن بريدج» حتى مقر البرلمان، حيث احتشد أكثر من 10 آلاف متظاهر من أجانب وعرب على اختلاف انتماءاتهم، في مسيرة صاخبة منددة بالعدوان الإسرائيلي على غزّة. وعند المقلب الآخر من الجسر لناحية «عين لندن»، تجلّت صورة مغايرة؛ أفراد وعائلات لهم اهتمامات أخرى، فضّلوا الاستفادة من أشعة الشمس التي ظهرت على عكس العادة في عطلة نهاية الأسبوع.
زحف بشري تلوّن بكوفيات وأعلام فلسطينية، وصور لضحايا مجازر غزة، ولافتات كُتبت عليها شعارات مثل «انهوا حصار غزة» و«أوقفوا المذبحة». كما تردّد خلال المسيرة، التي تقدّمتها المغنية آني لينوكس والممثل الكوميدي اليكسي سايل والسياسيان البارزان توني بن وجورج غالاوي، هتاف «عار عليك» لرئيس الوزراء غوردن براون، فيما صاحت امرأة: «تعال لتنال حذاءك يا غوردن».
وألقى متظاهرون بعشرات الأحذية في الشارع، وهم يمرّون بمقرّ رئاسة الوزراء البريطانية، وصاحوا بعشرات عناصر الشرطة الذين يحرسون المكان.
قال الخاتم، وهو بريطاني من أصل سوداني، إن «الحكومات الغربية نائمة، والحكومات العربية ميّتة. لا أحد يريد النهوض واتخاذ موقف. كلّهم جبناء»، مضيفاً «لقد أرادت الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها أن تجعل حربها على غزة الآن، قبل دخول (باراك) أوباما البيت الأبيض، وقُبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، لأنها تعرف أن الوقت لن يكون في مصلحتها بعد ذلك»، آسفاً لـ«شريعة الغاب التي نعيشها، ولقتل الأبرياء بسلاح أميركي الصنع».
بشعره الأشقر الطويل، لحيته الطويلة، قرط في أذنه وكوفية حول عنقه، يقول إيان: «الآن أدرك كم كان فادحاً الخطأ الذي ارتكبته بلادنا بزرع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط. خطأ لا يُغتفر». ويضيف: «لا حلّ إلا بإنهاء الاحتلال، واستعادة الفلسطينيين أرضهم، أو على الأقلّ جزء منها».
ليس بعيداً عن مكان التظاهرة، عند مدخل مترو أنفاق «ويستمنستر»، يقف باتريك؛ عجوز بريطاني ببزّة المحارب القديم، متغنّياً بإنجازات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. يرفض باتريك المشاركة في التظاهرات، ويعلّل ذلك بأنه «كوني محارب سابق، وظهوري ببزّتي هذه سيسيء إلى صورة بلادي التي اهتزّت أساساً منذ وضع إسرائيل على الخريطة». ويشدّد على أن «ما يُرتكب في غزّة ليس صواباً، وما يُقذف من صواريخ على المستعمرات لا يمكن القبول به. كلا الطرفين يتحمّل مسؤوليته، مع العلم أنّ استخدام القوة من قبل إسرائيل ليس متكافئاً، ولا يجب القبول به».
وباتريك المستاء لما يحصل في الشرق الأوسط، كان عائداً من الضفة الأخرى لنهر «التايمز»؛ من العالم الآخر الذي لا دراية له بما يجري قرب مقرّ البرلمان. هناك، حيث الناس تبتاع البطاقات للانطلاق في جولات بالقوارب السريعة، وحيث الباعة المتجوّلون والمطاعم ودور السينما ونادي المصارعة والألعاب البهلوانية والاستعراضات في الشارع. فنانون إيمائيون لتسلية الأطفال في عطلة نهاية الأسبوع؛ «شمشوم» يحاول فكّ أغلاله، تشارلي شابلن، ألفيس بريسلي ... وغيرهم من الشخصيات التي تؤدي أدوارها مقابل جنيه أو أقل، يرميه من أعجبه العرض.
تقول إيما، وهي تُطعم ابنتها البالغة من العمر سنتين «لا أتابع كثيراً ما يحصل في بريطانيا، فضلاً عما يحصل في العالم. مشاكلنا الاجتماعية تكفينا، والأزمة الاقتصادية تُثقل كاهلنا»، لكنّها تستدرك قائلة «من المؤسف مشاهد الموت التي تحصل في غزّة. لكني ما كنت لأشارك في أي تظاهرة ولدي أطفال عليّ الاعتناء بهم. اليوم يوم عطلة، وواجباتي تجاه أولادي لها الأولوية».
لكن إيما لا تُلام لعدم اكتراثها بما يجري. تعبر أمامها ثلاث مراهقات عربيات، سورية وعراقيتان، يُقهقهن ويمرحن. تقول إحداهن «لم نُشارك في التظاهرة، على رغم شناعة ما يجري. أرفض طبعاً ما ترتكبه إسرائيل، لكنه يوم مشمس، وأنا استمتع به مع صديقاتي».
كيف لا، والمراهقات العربيات يمثّلن نموذجاً لمجتمع عربي نائم، جلّ ما يفعله هو التنديد بالظلم، من دون الإقدام على أي تحرك جدّي، وفقاً لإيان، الناشط البريطاني، الذي تجده بعيداً عن التظاهرات في محطة مترو «فيكتوريا» يعزف موسيقاه مقابل بضعة قطع معدنية، يؤكّد أنه يجمعها للتبرع بها لأطفال فلسطين.