مع دخول الاجتياح البري يومه الثالث، بدأ المحللون الإسرائيليون في طرح تساؤلات حول الأهداف التي تم تحقيقها، وما إذا كانت الحملة فعلاً قادرة على تحقيق «انتصار»
مهدي السيّد
في موازاة التهليل الإعلامي بإنجازات آلة القتل الإسرائيلية، دعا عدد من الكتاب الإسرائيليين إلى التريث قبل الإعلان عن انكسار «حماس» أو تأبينها، معتبرين أن الحركة لم تتكبد خسائر استراتيجية وأن هدف الحملة البرية لم يتحقق بعد، وأنه حان الآوان كي يستفيق الإسرائيليون من وهم أزلية الاحتلال ووهم الانتصارات.
ورأى الكاتب في صحيفة «معاريف»، عميت كوهن، أنّ «من السابق لأوانه تأبين حماس». وقال إنه «منذ اليوم الأول للحملة البرية، يمكن حماس أن ترفع شارة النصر، ذلك أنه لم تُسجل في غزة مفاجآت كبرى، صدمة ورعب».
ولفت كوهن إلى أن «مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة الكثيرين، لن يغير الصورة العامة. فضباب المعركة سيتبدد مع الأيام، وحماس ستتكيف مع الوضعية الجديدة». وأضاف أنه «رغم الغموض، واضح أن حماس لم تتكبد أمس خسائر استراتيجية. فلم يُصب أحد من قيادة المنظمة بأذى، والقوة المقاتلة نجحت في إلحاق الإصابات بالجيش الإسرائيلي».
وحذر كوهن من أنه «كلما مر الوقت ازدادت ثقة حماس بنفسها. فمعرفة حماس للأرض، والاستعدادات الدقيقة، يمكن أن يكون لها وزن مضاد خطير. كل جريح، كل قتيل وجندي مخطوف، إذا وقع سيشعل دافعية رجال المنظمة من إكبرهم إلى أصغرهم. تردد البداية سيحل محله أخذ المبادرة التي من شأنها أن تكون فتاكة».
في السياق، قال المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، إنّ «إسرائيل لم تنتصر بعد»، مشيراً إلى أن «حماس» «تلقت ضربة شديدة جداً، حتى الأن قطعنا فقط الطريق إلى الهدف. أما المعركة الكبيرة، المعقدة، فلا تزال أمامنا».
وأضاف فيشمان أنه «في هذه المرحلة من العملية تكبدت حماس نحو 50 قتيلاً، لكنه ليس بالحجم الذي يمكنه أن يشوّش خططها. ففي الأيام المقبلة ستبدأ المعركة الأكثر تعقيداً: المعركة لاحتلال الأهداف».
وتساءل فيشمان عمّا إذا كانت إسرائيل، في اليوم العاشر من القتال، قريبة من تحقيق أهداف الحملة. الجواب برأيه: ليس بعد. ويضيف أن «حماس، قد تكون ندمت، لكنها لم تنكسر بعد. تلقت ضربة قاسية جداً، لكنها تقف على قدميها، وتدير قتالاً يوجد فيه نظام ومنطق».
بدوره، رأى عكيفا الدار، في «هآرتس»، أن السؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو كم فلسطيني وإسرائيلي يجب أن يموتوا إلى أن يستيقظ الجمهور الإسرائيلي من الوهم الجديد ـــــ القديم، في أن الدبابات والطائرات يمكنها أن تخلّد الاحتلال. الجواب هو: «ما دام شعب إسرائيل يتوقع من الفلسطينيين أن يرفعوا الأعلام البيضاء، فإن اعلاماً سوداء سترفرف من فوق رأسه».
وفي «هآرتس»، كتب رئيس الكنيست السابق، أبراهام بورغ، مقالاً، رأى فيه أنه لم يعد هناك انتصارات. وقال إنه «فضلاً عن أكوام الجثث في الجانبين والحزن والثكل في الشعبين، ووراء هتافات الزعامة الإسرائيلية، بات يمكن أن نشعر بالمرارة. منذ حرب الأيام الستة ونحن لم نعد ننتصر. نجحنا في أن ننجو من مصيبة 1973، تورطنا ولكننا نجونا في عام 1982، والأمثلة الأخرى لا تنقص. لماذا يحصل هذا؟ لماذا تنتهي حروبنا بسجل دائم من الغموض؟ أعتقد أنه لم يعد ممكناً الانتصار في الحروب».
وأضاف بورغ: «إذا كان هدف الحرب هو إبادة العدو، فإن هذه حرب مآلها الفشل، وإذا لم ينشأ في نهايتها حوار مع العدو، فهذا هو الفشل». ورأى أن «الزعامة الإسرائيلية في حرب غزة مآلها أن تفشل باسمنا، تماماً مثل زعماء الدين الفلسطينيين الذين يقودون شعبهم إلى فشل آخر أساسه تجاهل التحول الذي طرأ على مفهوم الانتصار، من الحسم إلى الحوار، من التقتيل إلى بناء الجسور، مثل الجسور التي بُنيت في النهاية فوق المياه العاصفة بين بيرل هاربر وهيروشيما، ودبلن الكاثوليكية والبروتستانية، يوجد جسر من سديروت إلى غزة. ومن لا يمر عليه فسيقود شعبه إلى الفشل في كل حروبه».
من جهته، تحدث مردخاي غيلات في صحيفة «إسرائيل اليوم» عن معضلة إسرائيل في قطاع غزة، فأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يحذر الدخول إلى «مصيدة الموت في مخيمات اللاجئين حيث تختبئ القيادات. فالجيش يقاتل حماس في الضواحي وفي الأماكن الآمنة والمريحة، مستذكراً أغنية من أيام رئيس الوزراء السابق أرييل شارون في حرب لبنان الأولى: خذنا بالطائرة وأعدنا بتابوت. فظِلّ توابيت حرب لبنان الأولى والثانية يرفرف فوق الرصاص المصهور من اليوم الأول، ومعضلة وزير الدفاع إيهود باراك ورئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني صعبة. فهم حذرون، وخائفون، وخوفهم مفهوم».