إبراهيم الأمينمع قرب انتهاء المرحلة الثانية من الحرب البرية التي شنّتها قوات الاحتلال في قطاع غزة، يبدو أن قوات الاحتلال تنتظر لمرة أخيرة نتائج المساعي السياسية القائمة الآن في أكثر من عاصمة، علماً بأن مطالبها المباشرة تبدو مستحيلة التحقق في ضوء ما هو قائم من معطيات في السياسة وفي الميدان. لكن المنطق الإسرائيلي يستند، كما في كل مرة، إلى أن الموجة الأولى من الضغوط الميدانية تترافق مع موجة أكبر من الضغوط السياسية، ولكن هذه المرة تبدو الأمور معاكسة بعض الشيء، لأن إسرائيل، كما بقية العواصم الداعمة لها في الغرب كما عند بعض العرب، فوجئت بردة الفعل الشعبية التي تجاوزت توقعات حتى قيادات المقاومة في لبنان وفلسطين، وهي التحركات التي جعلت مواقف بعض الحكام وبعض الحكومات تأخذها في الحسبان. إذ إنه وفي معزل عن الموقف النهائي للجانب التركي، إلا أن سلوك الحكومة في أنقرة لا يبتعد كثيراً عن مطالب مئات الألوف من الأتراك الذين تظاهروا في إسطنبول، وهي تظاهرة جرت أيضاً بدعوة من الحزب الحاكم ودعم كبير منه. وفي الأردن، اضطر رئيس الحكومة نادر الذهبي إلى إبلاغ النواب أن حكومته تفكر في إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وحده حاكم مصر يحاول تجاهل ما يجري عنده، ويكتفي بما تنقله إليه أجهزة الأمن عن الهدوء، دون أن تخبره، أو ربما بعلمه، عن الاعتقالات والتهديدات التي يتعرّض لها المواطنون، والتي وصلت يوم الجمعة الفائت إلى حد التدقيق في هويات مصلّين بعضهم مُنع من دخول بعض المساجد بحجة أنه ليس من أبناء المنطقة التي يقع فيها المسجد، إضافة إلى الضغوط المستمرة على الإعلاميين والسياسيين الذين نسمعهم عبر الشاشات ومن خلال مقالات يهاجمون المقاومة في كل مكان.
إلا أن كل ذلك لا يفيد في تحقيق نتائج ما لم يكن العنوان الرئيسي هو نتائج ما يجري على الأرض، فما الذي يجري عملياً؟
بحسب المعلومات الواردة، حتى غروب أمس، فإن إسرائيل وقعت في نحو مئة اشتباك مع مجموعات متفرقة من المقاومة في كل محاور التوغّل في القطاع. وفي مناطق شمال القطاع، لجأ العدو إلى توجيه ضربات جنونية إلى المنازل المدنية من أجل دفع سكانها إلى الهرب وترك الساحة خالية إلا منهم ومن المقاومين، علماً بأن وحدات الاحتلال جاءت معززة بآليات هدفها البحث عن مخابئ تحت الأرض واكتشاف عبوات أو حقول ألغام، كما لجأت قوات الاحتلال إلى إلقاء كمية كبيرة من القنابل العنقودية في مناطق قصدت من خلالها منع أي تحرك للبشر فيها، وهي قررت تجاوزها.
كذلك فإن المواجهات في الضواحي القريبة من مدينة غزة والتي تركّزت في حي الزيتون، شهدت مواجهات شبيهة بالمواجهات التي حصلت في بعض قرى جنوب لبنان في عام 2006، وبدا أن مجموعات المقاومة الموجودة هناك تعمل وفق خطة معدّة مسبّقاً وآخذة في الحسبان هذا النوع من الهجمات. وإن كان الجميع يشير إلى أن القصف المدفعي والمساهمة المتواصلة لسلاح الجو فاقا تقديرات بعض القوى النافذة في المقاومة، لكن يبدو أنّ من على الأرض استوعب الصدمة الأولى.
الأمر الثالث هو أن قيادة المقاومة لم تعد تخلط بين المهمات الموكلة إلى مجموعاتها، بحيث إن الوحدة المكلّفة ضرب الصواريخ تعمل وفق برنامج تعرّض لتعديلات في الأيام الأخيرة، ربطاً بسياق المواجهات. لكنّ الاتصالات أفادت من غزة بأن مخازن المقاومة ونقاط انتشار قوتها الصاروخية تتيح مواصلة هذا القصف، حتى وإن دخل جيش الاحتلال إلى كل مناطق القطاع.
وفيما يجتمع وفد حماس اليوم صباحاً مع رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان، فإن البحث الجدّي يدور في مكان آخر، حيث هناك محاولات حثيثة لإنتاج مبادرة قد لا تحتاج إلى قرار خاص من مجلس الأمن، وتتطلب آلية لا يمكن إتمامها من خلال صيغ يعرضها الإسرائيليون وتستند إلى تجاوز قوى المقاومة، بما فيها حماس.
وفي هذا السياق، لفتت المصادر المتابعة لهذه الاتصالات إلى أن اليومين المقبلين سيكون لهما تأثير كبير على مجريات الاتصالات. ولهذا، فإنّ هناك تقديراً بأن تسعى إسرائيل إلى فرض وقائع على الأرض، وإن هي حاولت أن تحدد آلية عملها العسكري، حتى لا يصطدم الزوار من الغرب بمزيد من المجازر. لكنّ الأكيد حتى الآن أن الشرط الأساسي الذي تريده إسرائيل، لناحية تحقيق اتفاق يضمن عدم نمو قوة المقاومة في القطاع، هو أمر صعب المنال.