«لا تخافي، أريد أن أموت شهيداً بدلاً من هذا الرعب في كل لحظة». هكذا قال زياد، ذو التسعة أعوام، لوالدته التي كانت تتوسل إليه من على شرفة منزلها شرق مدينة غزة، للعودة إلى البيت خوفاً عليه من القصف. إلا أن زياد وقف على مقربة من سيارة تابعة للشرطة الفلسطينية المقالة، وقد تعرضت للقصف الإسرائيلي، وهو يردّد، «الشهادة أفضل من الخوف والقصف».وعلى بعد عشرات الأمتار من سوق السيارات التي تتمركز حولها الدبابات الإسرائيلية على مشارف حي الزيتون، ظهرت مجموعة من النساء والأطفال، الذين كانوا يهرولون بين أعمدة الدخان التي غطّت المنطقة، خوفاً من أن يطالهم قصف الدبابات. وأخذت أم أسعد حمودة (50 عاماً) تستنجد بالمارة، «أرجوكم أخرجونا إلى أقرب منطقة». كانت ترغب في الإفصاح عن قهرها «لم ننم منذ أيام. الدبابات على بعد أمتار قليلة من بيتي. لم تتوقف عن إطلاق النار والقذائف طيلة الليل. نريد أن نذهب إلى بيت أقرباء لنا في حي الرمال».
أرادت أن تتابع قبل أن تقاطعها ابنتها، وهي تحاول أن تهدّئ من روع رضيعتها التي لم تكف عن البكاء والصراخ «الوقوف هنا خطر. خرجنا من هناك بأعجوبة. تسلّلنا من بين الأزقة، لكننا غامرنا من أجل أطفالنا الذين لم يكفّوا عن الصراخ ليلاً». بينما يشدّ الطفل الصغير على يد جدته ويقول «خلّينا نروح بيكفّي قصف، فاطمة خائفة»، في إشارة إلى أخته الرضيعة.
ولا يختلف شعور أم محمد أبو خوصة (30 عاماً)، التي حملت هي الأخرى حقائبها متوجهة إلى بيت أقرباء زوجها في حي الشيخ رضوان، إذ قالت «هذه جهنم، لم أنم طيلة الليل أنا وأبنائي، ونحن نحاول أن نحتمي من الرصاص، وقد اخترقت عدة رصاصات جدران منزلي». ترافق كلامها مع دمع لم تستطع حبسه، «حرام ما يحصل لنا، الله يفرّجها علينا، كدت أن أموت من الرعب أنا وأولادي الليلة الماضية».
ويحمل العشرات من سكان هذا الحي حقائبهم وأكياساً تحتوي على أغراضهم ومستلزماتهم الأساسية، ويتوجهون مسرعين، بعيداً عن مرمى الدبابات، وأعينهم تراقب الطائرات الحربية.
وبين أزقة الحي الذي أغلقت كل محّاله أبوابها، يجلس بعض الشبان وهم يتجاذبون أطراف الحديث بسخرية. يقول أحدهم مخاطباً صديقه، «لو قصفتنا الأباتشي الآن، ستنتشر أشلاؤنا في كل الشارع، وقد تدفن أجزاء من جسدي في قبر». إلا أنهم ما لبثوا أن تفرّقوا مع وقوع عدة انفجارات بدت على مقربة من المكان، رسمت على وجوهم ملامح خوف وذهول.
سيطر الترقب والحذر على غالبية المارة. قال أحدهم ويدعى أبو رامي (40 عاماً)، «أحاول العثور على سيارة تنقلني أنا وعائلتي إلى منطقة أكثر أماناً. جميع أطفالي بحاجة إلى طبيب نفسي من هول ما رأوه الليلة الماضية، وأنا أوّلهم».
أما نسيبة (24 عاماً)، وهي سيدة منقّبة تحمل طفلتها البالغة من العمر شهرين، فقالت «عارضت الخروج من المنزل في الأيام السابقة، لكنني لم أعد أحتمل. أنا خائفة جداً على نفسي وعلى طفلتي». وبدا التوتر على أخيها محمد الذي جاء من حي تل الهوا وسط مدينة غزة، لاصطحابها. حمل حقائبها التي أخذتها معها، وقال «كان يجب أن تخرج منذ اليوم الأول عوضاً عن هذه المخاطرة الآن، فقد يطالنا القصف في أي لحظة».
(أ ف ب)