قرّرت إسرائيل أن توهم نفسها بأنّها تخوض حرباً من دون خسائر في صفوف جيشها. لكن الحقيقة يرويها جنودها المرعوبون في الميدان: إنها أشبه بأفلام حرب فيتنام مع مقاومتها وبسالتها... وتبقى الاستراتيجية واحدة: أن تكون حذراً يعني أن تكون عدوانيّاً
محمد بدير
تفرض إسرائيل منذ بدء المرحلة البرية من عدوانها على قطاع غزة، تعتيماً كبيراً حول حقيقة ما يجري على الأرض، وذلك في محاولة واضحة لاحتكار تفاصيل الرواية التي تُقدَّم إلى الرأي العام الإسرائيلي والدولي، وتوجيهها بما يخدم سياستها الإعلامية بشأن الحرب.
وبفضل هذا التعتيم يصبح بإمكان الجيش الإسرائيلي، مثلاً، أن يعزو سبب موت جنوده الذين يُقتلون في المواجهات مع المقاومين الفلسطينيين، إلى «الخطأ»، أو «النيران الصديقة»، كي لا تُمنح المقاومة رصيداً معنوياً، حتى ولو كان الثمن إضفاء صفة الإرباك والتخبط على قواته الميدانية.
لكن بالرغم من ذلك، يكفي ما أتيح تسريبه في وسائل الإعلام الإسرائيلية، نقلاً عن شهادات بعض الجنود والضباط المشاركين في المعارك، لتسليط الضوء عن قرب، على جوانب ممّا يحصل على الأرض. وقائع تظهر مدى الخوف الذي يتملّك قوات الاحتلال من جراء بسالة المقاومين وحسن استعدادهم لمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
ويختصر المراسل العسكري لـ «يديعوت أحرونوت»، أمير بوخبوط، الواقع الذي يعيشه الجنود المتمترسون على أطراف الأحياء السكنية في غزة، بالكلمات التالية: «مخربون انتحاريون، دراجات نارية للخطف، نيران قناصة، أروقة مفخّخة وشبكة أفعوانية من الأنفاق». وإذ يشير إلى أن استراتيجيات «حماس» القتالية، تكشف «مدى صعوبة مهمة القوات البرية الإسرائيلية التي تقاتل في القطاع»، فهو يرى أن هذه الاستراتيجيات، تذكّر بأفلامٍ عن الحرب الأميركية في فيتنام.
ويصف أحد الضباط الميدانيين للصحيفة، ما يواجهه جنوده بأنه «حرب حقيقية ضد جيش نظامي من المخربين ينقسم إلى خلايا إرهابية صغيرة». ويضيف «نحن نجد الكثير من الوسائل القتالية والعبوات والأنفاق، وهناك عدد غير قليل من البنى التحتية لتنفيذ عمليات خاصة، مثل دراجات نارية معدة للقيام بعمليات خطف جنود».
ويشدّد الضابط نفسه على أن المعارك مع المقاومين الفلسطينيين، تجري من على بعد أمتار، لافتاً إلى أن هؤلاء «يبذلون جهوداً للالتحام بالجنود، كما حصل عندما حاول انتحاري يرتدي زياً عسكرياً إسرائيلياً القفز على مجموعة من الجنود لتفجير نفسه». وإضافةً إلى الهجمات الاستشهادية، يواجه جنود الاحتلال «طوال الوقت، نيران قناصة من مسافة مئات الأمتار وعدداً كبيراً من قذائف الهاون التي تطلق باتجاههم». أما أكثر ما يخشاه جنود الاحتلال، فهو محاولاتٌ لأسر بعضهم، عبر استخدام شبكات الأنفاق المحفورة تحت المباني السكنية. وبحسب الضابط الإسرائيلي فقد «حصلت حتى الآن عدة محاولات واضحة للقيام بذلك، ولحسن الحظ فإنهم لم ينجحوا، لكن الجنود يعرفون أن أمراً كهذا يمكن أن يحصل في كل يوم».
وهنا يشير المصدر نفسه إلى أنه في الدرجة الثانية، تنبع خشية الجنود، من نصب الفخاخ الملغومة، «فكل سيارة، وكل بيت، وكل دولاب قد ينفجر بالجنود... حماس تفخخ كل شيء تقريباً: الشوارع، والأنفاق، والمنازل، والمساجد».
ويروي جنود آخرون كيف تتيح «المدينة السفلية»، (في دلالة إلى شبكة الأنفاق)، للمقاومين الانتقال من مكان إلى آخر تحت الأرض. وعلى سبيل المثال، «جرى تحديد منزل قائد عسكري في حماس في شمالي القطاع، وعندما وصلت قوة جوية لمهاجمة المكان، شوهد وهو يهرب من داخل نفق مسافته 150 متراً من البيت مع نسائه وأطفاله».
ويتحدث بعض هؤلاء الجنود كيف أن «المخرّبين»، يظهرون فجأةً من داخل الأنفاق، «ويحاولون خطف جنود إلى داخلها وينصبون فخاخاً مختلفة لجرّ الجنود إليها». وبحسب شهادة بعض الجنود، فإنّ عناصر «حماس»، يحاولون المبادرة إلى افتعال معارك التحام وجهاً لوجه، ولا يتوانون عن استخدام مختلف الأساليب، «بما في ذلك وضع دمى مفخخة على شكل بشر لتفجيرها بالجنود».
ويرى ضابط آخر أنّ الحركة الإسلامية، تحاول جرّ الجيش الإسرائيلي إلى المناطق المكتظة، ويوضح أن «استراتيجية الجيش هي استخدام قوة نارية كبيرة من أجل حماية القوات المتقدمة وسط المناطق السكنية». ويضيف في هذا السياق، إنه «من وجهة نظرنا، أن تكون حذراً يعني أن تكون عدوانياً»، شارحاً أنه «عندما نشك في وجود مقاتل مختبئ داخل منزل ما، فإننا نقصفه بصاروخ وبعدها بقذيفتي دبابة ومن ثم تقوم الجرافة بضرب الحائط». ويعترف الضابط بأنّ هذا السلوك يسبّب ضرراً، «ولكنه يمنع وقوع الخسائر في صفوف أرواح الجنود».