هآرتس ـ ألوف بنما الذي يجعل حروباً تبدأ حسناً وتخلص إلى نهاية سيئة؟ وما الذي يجعل عملية عسكرية لامعة وجريئة، حرب استنزاف باهظة؟ وكيف تنتهي عملية تبدأ بتفوّق بالقوة إلى حوادث كتلك التي حدثت أمس في مدرسة «الأونروا»؟
الحرب قضية معقدة مع الكثير من عدم اليقين والمفاجآت، لكن هناك ظاهرة مكرّرة تسبّب خسارة العمليات العسكرية. لنسمّها «نقطة النشوة»، ويمكن تعريفها بأنها: نجاح سريع في بداية المعركة، يرفع معنويات القادة ويشجعهم على الاستمرار «حتى النصر»، اعتقاداً بأن استعمال قوة إضافية سيُفضي إلى إخضاع الهدف.
في هذه المرحلة تُرفض اقتراحات وقف إطلاق النار باحتقار. لكن في هذه الأثناء يكون العدو قد أعاد تنظيم نفسه، ويغرق الإنجاز الأول في الوحل، ويتسرّب النصر المضمون من بين الأصابع. وما بدأ مثل نزهة لطيفة ينتهي إلى استنزاف طويل وخسارة لاذعة.
أفشلت «نقطة النشوة» كبار خبراء الاستراتيجية والقادة العسكريين في التاريخ العسكري. في 1940، بعدما أخضع هتلر فرنسا بحرب خاطفة، لم يقف لينجز تسوية مع بريطانيا، بل أغراه اعتقاد بأن قصف لندن سيخضع البريطانيين، فشل. وبعد عام من ذلك، أعاد الخطأ نفسه بغزو روسيا.
دُفعت إسرائيل إلى نقطة النشوة بعد النصر الخاطف في حرب الأيام الستة، واعتقدت أنها إذا استعملت قوة أخرى، تستطيع البقاء في سيناء. اقترح المصريون السلام، فرفضته غولدا مئير باحتقار. وكانت النتيجة حرب يوم الغفران التي دفعت إسرائيل إلى صدمة وطنية وبعدها إلى انسحاب من سيناء.
كان جورج بوش الأب زعيماً فريداً من نوعه. أوقف التقدم في حرب الخليج عام 1991 بعد تحرير الكويت السريع، ولم تغره مطاردة العراقيين إلى بغداد. أما ابنه، فقد أخفق في نقطة النشوة بعدما أسقط صدام سريعاً عام 2003. وكانت النتيجة استنزافاً ضعضع مكانة أميركا في العالم.
إيهود أولمرت، قائد عسكري أصغر شأناً من نابليون وماك آرثر، لكنه سقط مثلهم في نقطة النشوة. في الحربين اللتين قادهما في لبنان وفي غزة الآن، بدل أن يقف بعد العملية الجوية التي فاجأت العدو، اعتقد عام 2006، كما يعتقد الآن، أن النصر قريب، وأصرّ على الاستمرار والضغط. في الحالتين، النتيجة متشابهة: إضعاف الإنجاز الأوّلي، وضعضعة التأييد الدولي والتكتل الداخلي.
الوقت لم يتأخر بعد للإصلاح : في 2006 جُرّت إسرائيل إلى خمسة أسابيع من الاستنزاف انتهت إلى صدمة وطنية. ويجدر به في 2009 أن يقف ويخرج من غزة قبل أن يحلّ محل النشوة البراقة خُمار مؤلم.