يبدو أن جولات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بين مصر وإسرائيل وسوريا ولبنان، لم تتبلور خارج إطار الفشل. فصديقته إسرائيل، تنتظر تولي الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، منصبه للاحتكام إلى اللاعبين الكبار... أمثالها
باريس ــ بسّام الطيارة
عاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من جولته المكوكية القصيرة، من دون حلّ أو وسيلة لوقف الحرب على غزة. لم تتساءل الصحف ووسائل الإعلام الفرنسية عما كان وراء هذا الفشل الذريع في حصول «صديق إسرائيل» على بعض التنازلات منها على شكل هدنة لمدة ٤٨ ساعة، التي كان يمكن التلويح بها باعتبارها انتصاراً لـ«الحركة الساركوزية».
ويشير بعض المراقبين «الشامتين» إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، ايهود أولمرت، انتظر خروج ساركوزي من المنطقة، وبدء تحرك وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، ليعلن هدنة ثلاث ساعات، ما عدّه هؤلاء مؤشراً إلى أن «طبخة وقف الأعمال الحربية تنتظر الطباخ باراك أوباما». ويقول دبلوماسي عربي في هذا الصدد إن إسرائيل «لن تسلّف إلا الإدارة الجديدة». فساركوزي «أعطى كل ما يملك من إعلان صداقته إلى ترفيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي»، مضيفاً إن «ما تسرب من معلومات عن توجهات خطة عمل ساركوزي التي حملها معه في محطاته الخمس لا تتطلب من إسرائيل أي جهد لتوافق عليها، إذ يمكن اختصارها بأنها خلاصة لمطالب إسرائيل»، حسب قول الدبلوماسي العربي.
وأكد ساركوزي هذا الأمر في مؤتمر صحافي عقده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قائلاً لها إن «مفاتيح الحل هي في حصول إسرائيل على ضمانات بشأن أمنها»، مشيراً إلى عمليات تهريب السلاح بين مصر وغزة. وقد وافقته ميركل الرأي، قبل أن يؤكد الزعيمان الأوروبيان استعدادهما «لمبادرة مشتركة لإحلال السلام في الشرق الأوسط».
ورغم أن ساركوزي أعرب عن «امتننانه وشكره» للرئيس السوري بشار الأسد، وأمير دول قطر حمد بن خليفة آل ثاني، لعملهما «على الضغط على حماس لوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل»، إلا أنه بدا جلياً أن فشل محاولة ساركوزي يأتي نتيجة عدم حمله في جعبته أي شيء يقدمه إلى «حماس»، غير دعوتها إلى القبول بما تطالب به إسرائيل. وهذا ما يفسر «الشكر الدبلوماسي» الذي أعقبه حث «إسرائيل ومصر على البدء بمحادثات على مستوى عال لإعطاء ضمانات لإسرائيل»، مشيراً إلى أن «الأضاع صعبة»، وأنه يجد من «يتربص لصب الزيت على النار» رافضاً الخوض في التفاصيل.
وربط انسحاب إسرائيل بإعطاء ضمانات من مصر بعدم تهريب سلاح إلى القطاع، وجعل عملية «فتح نقاط العبور» في مرحلة لاحقة، ليصف البعض طرح ساركوزي بأنه «محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء».
وسألت «الأخبار» الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية، إيريك شوفاليه، عن «أهداف الدبلوماسية الفرنسية حالياً في نيويورك»، وسط الحديث عن «عدم رغبة فرنسا بقرار من مجلس الأمن، وتفضيلها بياناً رئاسياً»، فقال إن «وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير، الذي أرجأ عودته إلى باريس، يبحث عن أرضية توافق مشتركة لكل المواقف في الشكل وفي المضمون». وأشار إلى «رغبة الجميع بصدور ردّ فعل بالإجماع».
وكرر شوفايليه الربط بين تطور المباحثات في أروقة نيويورك و«التطور على أرض المعارك والمباحثات التي تجري في مصر»، جاعلاً «هدف مجلس الأمن الأول» المساهمة في إنجاح «مبادرة (الرئيس حسني) مبارك في إطار الوساطة الفرنسية». وشدد على أن «فرنسا ليس لها أي اتصال مع حماس»، وأنها تدعوها إلى «احترام مبادئ الرباعية وفي مقدمتها التخلي عن استعمال العنف».
وإذا استثنينا «الشكر العلني» لسوريا من جانب ساركوزي، فإنه يمكن ملاحظة «تجاوز محطة دمشق والتركيز على دور مصر في الحل»، ما جعل البعض يقول إن ساركوزي ذهب بالواقع لتسجيل موقف يدعم نظيره المصري، تعويضاً عن «استثارتها (القاهرة) في الملف اللبناني وتهميش دورها». إلّا أن إطلاق الصواريخ عبر الحدود اللبنانية على شمال إسرائيل حتى بعد نفي حزب الله أي صلة له بالأمر، أعاد خلط الأوراق وسط تأكيد المراقبين أن ساركوزي باصطفافه الكامل خلف الطروح الإسرائيلية والمصرية التي رفضتها «حماس»، يسهم في فقدان باريس عدة أوراق مهمة استردها ساركوزي بعد ذهاب جاك شيراك، ومنها وقف المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل.
كل هذا يمكن أن يعلن انتظار الجميع عودة واشنطن بقوة إلى المنطقة بعد العشرين من الشهر الجاري، وإطلاقها صفارة انتهاء فرصة لعب اللاعبين الصغار.