دمشق ـ سعاد مكرمبدأت ملامح الجهود السورية ـــــ التركية ـــــ الإيرانية ـــــ الأوروبية المبذولة لوقف العدوان على قطاع غزة، ومدّ السكان المحاصرين بلوازم الصمود، تتّضح مع دخول المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين يومها الـ13. وفي قراءة للتحركات الدبلوماسية، يبدو أن إيران فضّلت السير في خط البحث عن إيصال الدعم والمساعدات إلى الفلسطينيين في القطاع المحاصر، من دون اقتراح أي مبادرات أو أفكار سياسية للتوصل إلى حلّ مع الأطراف الأخرى.
خلاصة تنطلق من قناعة إيران وحليفتها الاستراتيجية في المنطقة، أي سوريا، أن أي مقترح من قبلها، لن يلقى رفضاً أميركياً و«عربياً معتدلاً» فحسب، بل قد يوفّر مبرّراً لحملة سياسية تستهدف الجمهورية الإسلامية، على خلفية «تدخلها في شؤون المنطقة». لكن كل هذه المعطيات لم تمنع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من إرسال 22 ممثلاً عنه إلى دول أوروبية وآسيوية للدفع نحو لجم فوري لآلة القتل الإسرائيلية، بحسب ما نقلته وكالة أنباء «مهر».
وكانت لسوريا حصّتها في استقبال أرفع مسؤول إيراني، وهو رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، في زيارة سبق أن مهّد لها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، سعيد جليلي، قبل أيام.
وفي حديثه إلى قناة «المنار»، أشار وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى وجود تنسيق سوري ـــــ تركي بشأن غزة، يتضمن وقفا فورياً لإطلاق النار وفتح كل المعابر، وبينها رفح، كاشفاً عن أنه تمّ التوصل إلى أفكار مشتركة، «عُرضت على حماس ولمسنا لديهم موافقة عليها». وأوضح المعلّم أن تلك الأفكار عُرضت أيضاً على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي «لم يعترض عليها».
وبدا أن المعلم يبرّر رفض «حماس» للمبادرة المصرية، ويبرّر مسبقاً أي رفض محتمل لقرار دولي يصدره مجلس الأمن. وقال في هذا السياق، إن أي قرار يصدره مجلس الأمن، «لن يعني حركة المقاومة الفلسطينية لأنها ليست دولة»، مذكّراً بأن قرارات مجلس الأمن «تخاطب الدول». وخلص إلى التشديد على أنه «إذا لم يُؤخَذ برأي المقاومة في أي مبادرة أو قرار، فلن يكون هناك مخرج، لا في مجلس الأمن ولا عبر أي مبادرة».
وهكذا، لوحظت 3 مسارات للمساعي المبذولة حيال الأوضاع في غزة؛ الأوّل، خطّ سوري ـــــ إيراني يبحث في المساعدات وسبل إيصالها ودعم المقاومة والصمود، وآخر سوري ـــــ تركي يبحث في إيجاد حلول سياسية ومخرج للأزمة الناجمة عن العدوان، والثالث أوروبي، عبّرت عنه جولة المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط، ألكسندر سلطانوف إلى دمشق، أول من أمس.
وخلال لقاء سلطانوف مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، أعرب الأخير عن الاستعداد للمشاركة في إيجاد «حل سلمي للنزاع»، معلناً في الوقت نفسه عن رفض حركته «الشروط الاستسلامية التي تفرضها إسرائيل»، في ما وُصف بأنه رفض مبكر للمبادرة الفرنسية ـــــ المصرية.
وفي بيان أصدرته الحركة الإسلامية بعد اللقاء، طالب مشعل موسكو باتخاذ «موقف حازم وحاسم إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة»، بينما دعا سلطانوف قيادة «حماس» إلى أن تكون «بمستوى المسؤولية عن مصير سكان غزة، واتخاذ قرارات بنّاءة».
وفي لقاء سلطانوف مع الرئيس بشار الأسد، جدّد الرجلان تأكيد ضرورة أن يعمل المجتمع الدولي بأقصى طاقته، «لحمل إسرائيل على وقف هذا العدوان فوراً ورفع الحصار وفتح المعابر وضمان وصول مساعدات إنسانية وطبية عاجلة».
في هذا الوقت، وصل لاريجاني إلى دمشق، أول من أمس، مع وفد ترويكا برلمانات الدول الإسلامية. وشملت اجتماعاته كلّاً من الأسد ومشعل ونائبه موسى أبو مرزوق، بالإضافة إلى الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» رمضان شلح، ونائبه زياد نخالة، إلى جانب الأمين العام للجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة أحمد جبريل، وعدد من قادة الفصائل الأخرى.
وجرى اجتماع لاريجاني ـــــ مشعل في السفارة الإيرانية في دمشق، وامتد حتى الساعات الأولى من صباح أمس. وفي ظلّ ندرة التصريحات التي تلت اللقاءات التي شهدتها العاصمة السورية، نقل جبريل عن لاريجاني دعم بلاده الكامل لمقاومة غزة وشعبها.
وفي اجتماع الأسد مع لاريجاني، بحثت «الجهود والتحركات التي يجب أن تقوم بها الدول العربية والإسلامية لوقف العدوان، ولحشد التأييد الدولي للضغط على إسرائيل لوقف مجازرها ورفع الحصار وتأمين إدخال مساعدات إنسانية وطبية عاجلة إلى القطاع»، على حد تعبير بيان رئاسي سوري.
وترى مصادر فلسطينية في «تحالف القوى الفلسطينية» أنّه في ظل عدم التوصل إلى قرار في مجلس الأمن الدولي يكون مقبولاً من كل الأطراف، وفي ظل رفض «حماس» المبادرة المصرية، «لم يبقَ هناك سوى عقد قمة عربية طارئة بمن حضر لتدارك هزال الوضع العربي»، وإن أدّت هذه القمة إلى فرز الموقف العربي إلى معسكرين: «عرب مع إسرائيل، وعرب ضدها».