برج البراجنة ــ قاسم س. قاسم غزة ــ قيس الصفدي
سحب أبو علي عزيز، من مخيم برج البراجنة، دليل الهاتف من جيبه. «الله يخليك، دقّلي لبنت أختي نور» القاطنة في قطاع غزة. ينتظر الرجل ويداه في جيبيه كمن يحاول تمويه توتر كبير، أو الاصطبار عليه، لأن الحل، كما في انتظار ولادة، ليس في يده. هنيهة، ثم يسأل بصوت قلق: «شو علّقت؟» يقصد الرقم الذي يطلبه. «لا يا حج» يجيبه صاحب السنترال. يرجوه طلب رقم آخر: «هذا رقمها الأرضي». لكن، ما إن علّق الخط بضربة حظ، حتى جاءه صوت المسجل على الطرف الآخر: «إن الرقم المطلوب لا يمكن الوصول إليه». يحدّث عزيز نفسه حديث العارف: «معقول، لأنها ساكنة بحيّ الزيتون» الذي كان القصف مركزاً عليه. بعدما فقد الأمل بالاتصال بغزة، طلب عزيز رقم أخيه بالضفة: «الله يخليك طمّنا عن العيلة بس تقدر»، يقول له. يترك عزيز المحل مردداً «الله يهدّي البال، حسبي الله ونعم الوكيل». خلال الأيام القليلة الماضية لم يتمكن العديد من اللاجئين الفلسطينيين من الاتصال بأقاربهم في قطاع غزة المنكوب، عكس بداية العدوان. حينها اكتظت السنترالات داخل المخيم ومحيطه. ساعد الحظ و«الخط» بعض اللاجئين ليطمئنوا إلى أقاربهم، أما القسم الآخر فلم يجد من يرفع السماعة ليردّ، أو كان الجواب أن «الشبكة مضروبة». أما اليوم، فقد دمرت آلة الحرب الإسرائيلية 85% من شبكة الاتصالات.
‏فيما يؤكد مراسل «الأخبار» في غزة الزميل قيس الصفدي، أن الخطوط الأرضية لا تزال تعمل، فيما شركة «جوال» الخلوية الوحيدة في فلسطين حذرت مشتركيها منذ أيام من أن خدماتها قد تتوقف لأن أبراج الاتصالات التي نصبت فوقها هوائيات الإرسال والتقوية ضربت خلال الغارات الجوية المكثفة، ولأن لا كهرباء لإعادة شحن الهواتف الخلوية، وهو ما يتوافق مع ما قاله صلاح ضاهر من المخيم نفسه، الذي قال لنا إن ابنتهم فادية اتصلت من القطاع في وقت متأخر أمس «لأنها ربما المرة الأخيرة التي تستطيع الكلام فيها إلينا كما قالت بسبب أن شركة جوال قالت لهم إنها قد تتوقف اليوم عن العمل»، حسب ما قال ضاهر في اتصال مع «الأخبار».
أبو حكمت شرشرة أيضاً، لم يتمكن من الاتصال بأخيه محمد في منطقة تل الهوا، التي تناقلت وسائل الإعلام اسمها مع الهجوم الإسرائيلي عليها منذ أيام. يطلب منك بصوته المتهدج لكونك صحافياً «واصلاً» حسب ظنه، أن تطمئن له إلى أخيه. تحاول إقناعه بأن كل ما يحتاج إليه المرء للاتصال بغزة، إن كان في الجريدة أو لا، القليل من الحظ والصبر. «يا أخي ما قادرين نتواصل مع إخوتي، ما عارفين شو الوضع» يقولها شرشرة بقلق. فمحمد، شقيق أبو حكمت، يقطن في منزل ملاصق للجامعة الإسلامية التي دمرت أول أيام العدوان. نصف ساعة من الصبر، يكافأ عليها الرجل خيراً. يقفل السماعة والارتياح بادٍ على وجهه «الحمد لله صار بمدينة غزة». لقد علق معه الخط الأرضي. يستأذن أبو حكمت ليترك السنترال متوجهاً إلى العائلة لطمأنتها.
يهدأ السنترال بعد هرج ومرج ساده لساعات. يجلس صاحب السنترال الذي رفض الكشف عن اسمه ليرتشف ما بقي من فنجان قهوته ويتحدث عن مشكلة «خطوط غزة». «الأرقام الخليوية ما بتعلقّ منذ أربعة أيام، أما بالنسبة للأرضي فحسب المناطق». يشرح صاحب المحل أنّه خلال الأيام السبعة الأولى «كانت الخطوط طبيعية، أما في الفترة الأخيرة فما في خطوط شغّالة». يبتسم وهو يقول: «يا حرام ما لحقوا يتهنّوا بالـ970»، وهي إشارة إلى الخط المباشر الذي افتتحته وزارة الاتصالات مع فلسطين.


لا طاقة للجوال

ليس سهلاً أن تجري مكالمة هاتفية في غزة. الأمر بحاجة إلى محاولات متكررة. يقول أبو موسى، المقيم في رفح، إنه قضى ساعة يحاول الاتصال بابن شقيقه في مدينة غزة التي يفصله عنها مسافة لا تتعدى 40 كيلومتراً. وزاد ضغط سكان غزة على شبكة الاتصالات الخليوية «جوّال» من صعوبة الاتصالات. وكان المدير العام للشركة، عبد المالك جابر قد حذر أخيراً من توقف الاتصالات الخلوية وخدمات الإنترنت كلياً في غزة جراء استمرار انقطاع التيار الكهربائي، ونفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الخاصة بأبراج الإرسال التي دمرتها الغارات الجوية الإسرائيلية. ولجأ السكان للهاتف الثابت رغم أن أضراراً لحقت بكثير من خطوطه جراء الغارات من دون تمكن طواقم الشركة الفنية، التي استشهد وأصيب عدد من موظفيها، من إصلاحها.