مهدي السيداستحوذت معضلة القرار الذي ينبغي اتخاذه إزاء توسيع العدوان البري، والتي يواجهها المستويان السياسي والعسكري في إسرائيل، على اهتمامات الصحف العبرية، وسط خشية المؤسسة العسكرية من تكرار تجربة «النصر الإلهي» وتكريس سلطة حركة «حماس» على غزة. وتطرق المعلق العسكري في صحيفة «معاريف»، عمير ربابورت، إلى السيناريو الذي يؤرق قادة الجيش الإسرائيلي، فقال إنه «عندما يتوقف إطلاق النار، سيخرج قادة حماس من مخابئهم، ولن يتردّدوا في إعلان الانتصار الإلهي، كما فعل زعيم حزب الله حسن نصر الله قبل سنتين ونصف سنة».
سيناريو وجده ربابورت «ملموساً جداً»، بعد مضي أسبوعين على الحرب من دون نجاح الجيش الإسرائيلي في «تحطيم حماس». ولفت إلى أنّ «الجيش الإسرائيلي يخشى فعلاً، من الخطوة البرية العميقة داخل قطاع غزة. والمشكلة تكمن في توقّع سقوط مئات القتلى، والأهم ماذا سيحصل بعد احتلال غزة. إذ يمكن أن يعلق الجيش الإسرائيلي في غزة ربما لسنين، إذا لم يكن ثمة من يُخرجه من هناك».
وفي السياق، لفت المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، امير بوحبوط، إلى أن المرحلة باتت تتطلب قراراً حاسماً إزاء وجهة العدوان، وهو ما ينتظره الجيش الإسرائيلي من المستوى السياسي. وقال بوحبوط إن «الجيش الإسرائيلي داخل غزة منذ 6 أيام، لكن بعدما استُنفدت أهداف وإنجازات هذه المرحلة، وحين تكون في الخلفية اتصالات لوقف النار، فإن الجيش الإسرائيلي لا يواصل التقدم وينتظر حسم القيادة السياسية». ويضيف بوحبوط إنهم «في الجيش يخافون من المراوحة، ويطالبون القيادة السياسية بالحسم: إما الخروج من غزة أو الدخول الى المرحلة الثالثة».
بدوره، رأى المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئل، أن «لحظة الحسم قريبة، ما يتعين على القيادة السياسية أن تقرر في مسألة استمرار العملية البرية في قطاع غزة». وأضاف «بعد 5 أيام على المرحلة البرية، يتبين أن حماس لم تهزم. فرجالها بدأوا يلاحقون القوات. الجيش الإسرائيلي دخل مرحلة خطرة. المكوث من دون تقدم حقيقي، يخلق أهدافاً للعدو. ويبدو أن رفض حماس المساومة يستند إلى الافتراض بأنها إذا نجحت في سفك دماء الجيش الإسرائيلي، فسيفقد الرأي العام الإسرائيلي صبره، والحكومة ستضطر إلى أمر الجيش بالانسحاب من دون تسوية».
وقال هرئل إن «هيئة الأركان عرضت على القيادة السياسية خطتين محتملتين لتوسيع الحملة. خطتان تنطويان على إدخال آلاف جنود الاحتياط إلى القطاع. لكن يبدو أن القيادة السياسية لا تقف بحزم خلف أحدهما. وأمام الوزراء سيكون إمكان ثالث: القرار بإنهاء سريع للحملة وسحب القوات، حتى من دون وقف نار رسمي».
وتطرّق هرئل إلى التباين في هرم القيادة السياسية الإسرائيلية، فقال إنه «بينما يصعب على الوسطاء أن يفهموا ماذا تريد إسرائيل، لا تزال القيادة السياسية في إسرائيل منقسمة بين رئيس الوزراء إيهود اولمرت الذي يميل إلى توسيع الحملة وتسوية على وقف النار في وقت لاحق، وإيهود باراك الساعي إلى إنهاء سريع مع تسوية، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي تؤيد الخروج الفوري، على أن يرتكز الاستقرار الأمني على تهديد إسرائيلي باجتياح متجّدد في حال تجدّد الصواريخ».
في موازاة ذلك، دعت صحيفة «هآرتس» إلى ضرورة الخروج من غزة الآن. وقالت إن «الخلافات بشأن مسألة توقيت الخروج، لا يمكن إسرائيل أن تسمح لنفسها بها في هذا الحين. فتجربة الماضي تدل على أنه كلما تعمقت عجلات آلة الحرب في وحل غزة، فإن الجيش الإسرائيلي سيتورط في أعمال تجر وراءها المزيد من قتل المدنيين، أمّا الإنجازات العسكرية على الأرض، فلن تقدم ولن تؤخّر». ورأت الصحيفة أنه في ظل «تعهد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ضمان أمن إسرائيل، والتخوف من الاشتعال على الحدود الشمالية مع لبنان، ليس أمام الجيش الإسرائيلي والحكومة الوقت للترددات ولصراعات المكانة. يجب الخروج من غزة والسعي إلى اتفاق يضمن وقف نار طويل الأمد ومنع تسلّح حماس».
وفي «يديعوت أحرونوت»، رأى معلق الشؤون الأمنية والعسكرية، رون بن يشاي، أن قرار مجلس الأمن الأخير هو مجرد ورقة نوايا فارغة من أي مغزى. وبما أن قوات الجيش الإسرائيلي ترابط عند خطوط أكثر عرضة للإصابة، فلا بد من زيادة الضغط العسكري على حماس، للتوصل إلى تسوية تتيح إغلاق محور فيلادلفي أمام تهريب الوسائل القتالية.
إلى ذلك، قال المحلل السياسي، ألوف بن، «إن الاقتراحات المختلفة لوقف النار، يجمعها قاسم مشترك: تخليد حكم حماس في غزة. فالخروج من طرف واحد الذي تطرحه ليفني، والتهدئة المحسّنة التي يطرحها باراك، ووقف التهريبات الذي يطرحه اولمرت، واقتراحات الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، كلها تفترض أن حماس ستواصل التحكم في غزة». وأضاف إن «معنى الأمر هو أن حماس دفعت ثمناً ببضع مئات من القتلى، في مقابل ضمان سيادتها في غزة. وستتمتع حماس بمعابر مفتوحة وقوة دولية تحافظ على حدود القطاع من اجتياح إسرائيلي، تحت غطاء منع التهريب. إذا ما نجح هذا، فسيعتاد العالم أن في غزة نشأت دولة فلسطينية». وقال إن «حملة الرصاص المصهور ستكون حرب الاستقلال لحماس».