شهدت بيروت أمس «تظاهرة حمراء» نظّمها الحزب الشيوعي اللبناني و«اللقاء اليساري التشاوري» الذي تأسس في آذار المنصرم، انطلقت من البربير نحو الإسكوا في ساحة رياض الصلح. ورغم الأمطار الغزيرة، فقد كان لافتاً حفاظها على «جسدها»، فمشى المتظاهرون تحت وابل من المطر يحملون أعلامهم على وقع الشعارت والأغاني الوطنية، فيما طالب بعضهم بتظاهرة جديدة أمام السفارة الأميركية في عوكر
ديما شريف
«إنّها تمطر قنابل على غزة، تستطيعين تحمّل القليل من المطر»، هكذا، عاتبت ليال رفيقتها دانية عندما اشتكت هذه الأخيرة من تبللها بالماء نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت على بيروت أثناء التظاهرة المتضامنة مع غزة.
لم يعبأ المتظاهرون والمتظاهرات بالبرد والأمطار الغزيرة التي لم يُعفَ أحد منها، ولم تتشرذم التظاهرة رغم السيول الكبيرة، فثابر المشاركون على مسيرتهم نحو ساحة رياض الصلح. «رشوا الميّ على الصفصاف، شيوعيّي وما منخاف» بدا الهتاف على حافة التهكم، وخصوصاً أن «الشبيبة» كانت مبللة حتى العظم، ما دفع بإحدى المشاركات للتعليق بسخرية: «يا شباب، على ما يبدو انضمت السماء إلى القوى الرجعية.
فعندما لا تتوافر إطفائية عوكر تتكفل الطبيعة بمحاولة ردعنا». تعليق لاقى استحساناً كاد يتحول إلى تصفيق لولا انهماك الشباب بمسح المياه عن وجوههم.
لم يؤثر المطر إذاً على التظاهرة، إذ أتى البعض مجهزاً ومعه مظلات، فيما لفّ آخرون رؤوسهم بالكوفيات ولم يعبأوا بحبات البَرَد التي انهالت عليهم.
وكان التجمع في ساحة «23 نيسان» (البربير) قد اكتمل قبل الحادية عشرة صباحاً، موعد بدء التظاهرة، فأتى مناصرو الحزب الشيوعي اللبناني، التنظيم الشعبي الناصري، الحزب الشعبي الديموقراطي، الجبهتين الشعبية والديموقراطية لتحرير فلسطين، اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني والتجمع اليساري من أجل التغيير وغيرهم من المشاركين في «اللقاء التشاوري اليساري» من كلّ المناطق اللبنانية ليصل عددهم وفق بعض المنظمين إلى عشرة آلاف شخص.
علم فنزويلا تقدم «التظاهرة الحمراء» إلى جانب مسؤولي الأحزاب المشاركة وأعضاء اللقاء اليساري التشاوري، وحملة توابيت لفّت بالعلم الفلسطيني. وتوافر للبعض الوقت الكافي لتوليف الرموز، فاختارت فتاة أن تحمل علماً فلسطينياً عليه صورة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز.
«إفتح/ المعبر/ ياحسني» كان المتظاهرون يهتفون «منغِّمين» بلهجة مصرية، وككل التظاهرات التي سبقت، تنوّعت الشعارات بين تلك الموّجهة إلى أميركا وإسرائيل وتلك التي خصصت لشتم الزعماء العرب وتحديداً الرئيس المصري حسني مبارك واستهجان تواطئهم، وتلك التي تنوّه بـ«شعب غزة الجبار». فاستعاد المتظاهرون «يا للعار يا للعار/ حسني مبارك من الثوار» إلى جانب «يا عبد الله دقّ الكاس شعب غزة ما بينداس» الموّجهة إلى الملك السعودي.
وأثناء مرورهم في النويري والبسطة كان بعض السكان يحيون المتظاهرين من شرفات منازلهم ويرشونهم بالأرزّ، فيما لوّح بعضهم بأعلام فلسطينية. أما بعض الذين وقفوا بسياراتهم على المفارق، فمنهم من أطلق بوق سيارته تضامناً وغيرهم قاموا بذلك اعتراضاً «على النطرة» ريثما تمر التظاهرة.
تصل التظاهرة إلى الإسكوا، فتتوقف لكي تعطي الكلام للمتكلمين. تحدث في البداية النائب أسامة سعد الذي طالب جماهير الأمة العربية وحكوماتها بأن تتخذ «موقفاً إلى جانب كفاح الشعب الفلسطيني ونضاله بكل الوسائل والأشكال، بعد سقوط الرهانات على مشاريع ومبادرات التسوية». وكانت كلمتان، واحدة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ألقاها عضو المكتب السياسي مروان عبد العال، وأخرى للجبهة الديموقراطية ألقاها عضو المكتب السياسي علي فيصل، لتختم التظاهرة بكلمة للأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الدكتور خالد حدادة. ورفض عبد العال في كلمته القرار 1860 الذي يساوي بين الجلاد والضحية، ورأى أنّه «صبّ الزيت على النار» حتى تأخذ إسرائيل مداها في ضرب المقاومة. أما فيصل فرأى أنّ غزة تعتمد اليوم على نفسها، لا على القرارات الدوليّة، وانتقد قرار مجلس الأمن الذي يفتقر إلى الجدولة الزمنية والترتيبات.
أما حدادة، فشدد في كلمته على أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي العدو الأول قبل النظام الصهيوني، ودعا قوى اليسار في العالم إلى إكمال نشاطاتها المنددة بالعدوان على غزة.
ودعا حدادة الحكومة اللبنانية إلى إقرار الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين في لبنان حتى تطبّق بفاعلية تضامنها مع الشعب الفلسطيني. ورأى حدادة أنّ الحرب الإسرائيلية على غزة تموّل من «نفط التخاذل العربي».
أثناء إلقاء الكلمات تجمع عدد من المتظاهرين وحرقوا علمين لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، ثم حملوا علماً فلسطينياً ضخماً ورددوا الشعارت، «علوا علوا الرايات/ شعب غزة بعدو ما مات»، «علّمنا تشي غيفارا/ على الثورة الجبارة» و«دوس دوس دوس/ على عباس الجاسوس» ويسألون «وين السلطة الوطنية؟».
بعدما انتهت التظاهرة بالنسبة إلى العدد الأكبر من الناس، انضم البعض إلى الاعتصام الدائم أمام الإسكوا، فيما سار ناشطو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نحو حافلاتهم في تظاهرة صغيرة خرقت الحاجز الذي وضعته القوى الأمنية وهم يحملون علم فلسطين الكبير ويرددون «فلسطين حرة».