طرابلس ــ عبد الكافي الصمدلم تحُل التطوّرات الدائرة في قطاع غزّة منذ أكثر من أسبوعين، التي باتت الشغل الشاغل لأهالي مخيم البداوي بكل شرائحه وفصائله، من إيلاء المعنيين فيه الشؤون الاجتماعية الملحّة الاهتمام المطلوب من ضمن الإمكانات المتوافرة، وخصوصاً أن أوضاعه الحياتية تشهد تدهوراً مطّرداً منذ أكثر من سنة بفعل تداعيات أزمة مخيم نهر البارد عليه.
ومع أنّ المخيم الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع واحد ويقطنه قرابة 17 ألف شخص، يعاني أصلاً أزمات اجتماعية خانقة، نتيجة تراجع تقديمات الأونروا وتراجع فرص العمل وتزايد نسبة البطالة بين الشباب فيه، فإنّ نزوح أكثر من 30 ألف شخص من مخيم البارد إليه خريف عام 2007 بسبب الأحداث الأمنية التي شهدها، جعلت المخيم يتحول إلى بركان اجتماعي كاد ينفجر أكثر من مرة، لولا أن جهوداً كبيرة بذلت حينها لاحتواء المضاعفات، وأبقت الأمور تحت السيطرة.
لكن تداعيات أحداث مخيم نهر البارد على مخيم البداوي الاجتماعية لم تنته بعد، إذ «لا يزال أكثر من 400 عائلة من نازحي المخيم تقيم في مخازن داخل المخيم وخارجه، وتحديداً في منطقة جبل البداوي والمنكوبين، في ظل ظروف إنسانية ومعيشية بائسة للغاية»، وفق ما أشار لـ«الأخبار» عضو الفصائل الفلسطينية في المخيم أبو فراس حمدان.
ومع أن حمدان أشار إلى أن «230 عائلة من هؤلاء ستُنقل مطلع شباط المقبل إلى بيوت جاهزة في الجزء الجديد من مخيم نهر البارد، بعد إعطاء الأولوية للحالات الاجتماعية ولمّ الشمل»، فإن «نازحي البارد الباقين في مخيم البداوي، الذين يناهزون 15 ألف شخص، يعانون أوضاعاً معيشية صعبة للغاية، و98 في المئة منهم بحاجة ماسة إلى تقديمات الإغاثة التي تؤمّنها الأونروا»، حسب تقرير أعدته الوكالة.
وإذا كانت أعمال الإغاثة التي تقدمها الإونروا لنازحي البارد لن تتوقف أو تتراجع الشهر المقبل، مثلما كانت قد حذرت سابقاً، نتيجة تخوّفها من عدم تسلّمها مساعدات الدول المانحة التي وعدتها بها، بعدما وصلتها مبالغ مالية جعلتها تستمر في عملها الإغاثي، فإن الأونروا «عمدت إلى خفض نسبة التقديمات المقررة، وبرّرتها بهدفها إطالة أمدها، وذلك بعدما تراجع المبلغ الذي كانت تقدمه إلى العائلة النازحة من 200 دولاراً شهرياً إلى 150 كبدل استئجار منزل لها ابتداءً من مطلع الشهر المقبل»، على حد ما أشار لـ«الأخبار» محمد حسّان المقيم وعائلته في شقة متوسطة الحجم على تخوم المخيم.
في موازاة ذلك، تعطل محوّلان يزودان مخيم البداوي بالكهرباء نتيجة الضغط الكبير عليهما (يوجد في المخيم قرابة 1500 عداد كهربائي، فيما أكثر من 1500 بيت ومحل تتزوّد بالكهرباء لا وجود لعدّادات فيها)، ما أدى إلى توقفهما عن العمل قبل نحو أسبوعين، الأمر الذي دفع مسؤولي اللجنة الشعبية في المخيم إلى مراجعة شركة كهرباء لبنان التي وعدت بإصلاح المحولين وإعادتهما للعمل ابتداءً من اليوم الاثنين.
وأشار مسؤول اللجنة الشعبية في المخيم أبو خالد إلى أن «انقطاع الكهرباء عن بعض أحياء المخيم كان محل استياء الأهالي الذين يريدون متابعة أخبار غزة»، لافتاً إلى أن شركة كهرباء لبنان «ستعمد بعد إصلاح المحوّلين إلى تقسيم المخيم إلى 4 أجزاء، على أن تتألّف لاحقاً لجان داخل الأحياء مهمتها حماية المحولات، التي يبلغ عددها ثمانية، من زيادة الضغط والتعدي عليها، وأن تكون حصة كل بيت 10 أمبيرات فقط، بشكل يتيح الحفاظ على المحوّلات من جهة، وتأمين التيار الكهربائي لجميع أهالي المخيم من جهة أخرى».


الحاجة ...مشتركة

لا تزيد مساحة أي مخزن، من المخازن التي تقيم فيها العائلات النازحة من مخيم نهر البارد في مخيم البداوي على 30 متراً في أحسن الأحوال، فيما متوسط عدد أفراد أي عائلة لا يقل عن خمسة أفراد. ومع أن بعض هذه المخازن، غير مزوّد بأية منتفعات، فقد جرى تقسيمها بواسطة... الشراشف. هكذا، تدبّرت العائلات أمرها، حيث أخذ الذكور ينامون في جهة، والإناث في جهة أخرى، وبالطبع لا توجد أية خصوصية إلّا بصرية. في موازاة ذلك، ولغياب المطبخ تحوّلت الفسحة الصغيرة على الرصيف أمام كل مخزن إلى مطبخ يجري فيه الطبخ والجلي وغسل الثياب ونشرها على.. قارعة الشارع تماماً، حيث أصبحت السيدات يعقدن صبحياتهن. أما «الحاجة»، فالجميع يقضيها في حمام تابع لأحد المخازن الكبيرة، أصبح مشتركاً.