بعدما ظهر أنّ العقوبات الماليّة التي تفرضها الولايات المتّحدة و«المجتمع الدولي» على إيران قابلة لـ«الاختراق» (ويمكن هنا ذكر تجربة مصرف «ملّات») تزيد سلطات الرقابة الأميركيّة من تحقيقاتها في مسألة «تسهيل» مؤسّسات ماليّة غربيّة العمل المصرفي لرجال الأعمال الإيرانيّين والنتيجة: المصرف البريطاني «Lloyds» يدفع «ضريبة» مقدارها 350 مليون دولار
حسن شقراني
وصلت أسواق المال في العالم والأدوات التي ترسم قواعد إتمام «الأعمال» إلى مرحلة معقّدة جداً لدرجة أنّ العديد من القيّمين على رقابة الأسواق والقطاع المصرفي لا يفهمون آليّات إصدار منتجات ماليّة معيّنة وتداولها. وهذه المنتجات كانت حجراً أساسياً في التركيبة التي أدّت إلى انهيار أسواق المال بسبب انفجار الرهون العقاريّة في الولايات المتّحدة.
ولكن لتلك التعقيدات فوائد لبعض اللاعبين الماليّين الذين يعانون العقاب السياسي عبر منعهم من الوصول إلى مكامن السيولة. ومن بين هؤلاء اللاعبين رجال الأعمال الإيرانيّين والمصارف في الجمهوريّة الإسلاميّة الذين يُفرض عليهم حظر في التعامل مع المؤسّسات الماليّة الأميركيّة بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على طهران بذريعة أنها «تطوّر برنامجاً نووياً».
ولهذا السبب تقوم سلطات الرقابة الماليّة الخارجيّة الأميركيّة بتحقيقات مكثّفة من أجل الكشف عن مكامن الخلل الذي يستطيع «المُبعدون» من خلالها «خرق النظام». وإحدى نتائج تلك التحقيقات كُشف عنها أخيراً. فالمصرف البريطاني «Lloyds TSB» سيسوّي مسألة تعامله مع زبائن إيرانيّين وسودانيّين من خلال دفع 350 مليون دولار.
وحسبما نقلت صحيفة «Financial Times» عن المدّعي العام في مانهاتن في نيويورك، روبرت مورجينثو، فإنّ المصرف اعترف بأنّه زوّر مستندات أعمال من خلال تغيير معلومات التحويلات الماليّة بهدف إخفاء هويّة الزبون المستفيد. وتظهر هذه العمليّة أنّ التحويل بدأ لدى «Lloyds» لا لدى المصرف الذي يخضع للعقوبات. وهكذا يصبح المصرف البريطاني الأوّل الذي يسدّد ثمن تعامله مع دول تحظر الولايات المتّحدة التعامل معها، وبينها إيران وليبيا والسودان.
وخلال العام الماضي، كشف المصرف المذكور إضافةً إلى مصرفي «Credit Suiss» و«Barclays»، عن التعاون مع مورجينثو والمدّعين العامّين الأميركيّين للكشف عن الخروق لنظام العقوبات القائم، الذي يُخرق من أكثر من مكان. فمدير المصرف الإيراني، «ملّات»، علي ديفانداري، كشف في الصيف الماضي أنّه رغم أنّ العقوبات الماليّة الدوليّة سبّبت مشاكل كثيرة فإنّ «عمليّاتنا لم تتوقّف وحالياً نعمل مع مصارف تجارية دولية مهمة ومصارف مراسلة على أساس يومي، أوروبية وآسيوية وأفريقية».
واللافت في هذه القضيّة هو الجانب السياسي أو الأمني الذي تحدّثت عنه صحيفة «واشنطن بوست» أمس. فهي أفادت نقلاً عن مصادر لم تسمّها، أنّ الشركات الإيرانيّة ورجال الأعمال القيّمين عليها يخدعون الرقابة الماليّة والتجاريّة من خلال استخدام شركات واجهة تقدّم على أساسها طلبات التحويل المالي والتوصيل، والعديد من تلك الشركات التي كانت تتّخذ من دبي مركزاً لها، نقلت أعمالها إلى شرق آسيا، وهنا تذكر الصحيفة ماليزيا مثالاً من خلال «استعراض» تجربة «احتيال»: يستورد تاجر ماليزي المواد من الولايات المتّحدة ويحوّلها إلى إيران.
وركّزت الصحيفة على أنّ السلع التي يجري تبادلها في هذه «المتاهة» تتميّز بتكنولوجيا عسكريّة تستخدم «لقتل الجنود الأميركييّن في العراق». ولكن بعيداً من الجانب السياسي أو العسكري، ذكرت أنّه في خضمّ التحقيات الجارية في نيويورك في شأن «المسهّلين الذين أمّنوا التحويلات لتسديد مبالغ الصفقات» جرى تغريم مصرف بريطاني 350 مليون دولار لدوره في هذا السياق، إلّا أنّها لم تحدّد إذا كان هذا المصرف هو «Lloyds». وعوضاً عن ذلك، تتحدّث الصحيفة عن الخطط الإيرانيّة في التغلّب على الحظر المالي والتكنولوجي المفروض عليها، وتستذكر تجربة شركة «Mayrow General Trading»، التي كانت تعمل في دبي، والتي كشفت التحقيقات الأميركيّة عام 2006 أنّها واجهة لنشاط اقتصادي ومالي إيراني. ولكن رغم الرصد ثمّ الكشف تستطيع الشركات إعادة إطلاق أعمالها في أمكنة أخرى.
وما يثير في هذا السياق، هو أنّه إلى جانب جهود «الشركات الواجهة» لتخطّي العقوبات هناك مساعدة المصارف الأوروبيّة، رغم أنّها تعترف بأنّها تأخذ بعين الاعتبار المحاظر المفروضة. فـ«Lloyds» قال في بيان أصدره تعليقاً على التطوّرات إنّه ملتزم إدارة إعماله «عند أعلى مستويات من النزاهة واحترام معايير الرقابة... ولذلك اتخذنا خطوات عديدة لتحسين برامج» التنسيق مع المتطلّبات الأميركيّة. وبالفعل فقد حدّد المصرف خلال الصيف الماضي 180 مليون دولار لتغطية تحويلات ماليّة قديمة تخضع للتحقيقات الأميركيّة.
ويشير المصرف إلى أنّ جهوده مستمرّة في هذا السياق، ولكن جهود الإيرانيّين مستمرّة أيضاً وكذلك الحرب الماليّة!


تسهيل الحركة المجهولة

في سياق عرضه لموجبات اتهام مصرف «Lloyds TSB»، يقول المدّعي العام في مانهاتن، روبرت مورجينثو، إنّه حوّل أكثر من 300 مليون دولار لمصلحة مصارف إيرانيّة وزبائنها. وفيما المصرف البريطاني يقول إنّه تخلّى عن العمل مع الإيرانيّين منذ عام 2004، يشدّد مساعد المدّعي العام في الولايات المتّحدة، ماثيو فرايدريك، على أنّ المصرف «سهّل خلال 12 عاماً الحركة المجهولة لمئات ملايين الدولارات من بلدان تخضع للعقوبات الأميركيّة في نظامنا المالي».