ليس بجديد على إسرائيل أن تنتهك القانون الدولي خلال حروبها العشوائية. وفي عدوانها على غزّة استخدمت الفوسفور الأبيض لحرق من لا تقتله. صورة بشعة لجرائمها، وقد بلغت من الوقاحة ادّعاء احترامها للقانوناتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أمس، إسرائيل باستخدام ذخيرة تحتوي على الفوسفور الأبيض في عدوانها على قطاع غزّة من أجل محو آثار عملياتها العسكرية. وقالت في بيان إن «باحثيها في إسرائيل رصدوا انفجارات متعدّدة في الهواء في التاسع والعاشر من كانون الثاني لفوسفور أبيض أُطلق من المدفعية بالقرب من مدينة غزة ومخيم جباليا للاجئين». وقال المحلل العسكري في «هيومن رايتس ووتش»، مارك جارلاسكو، إن «الفوسفور الأبيض يمكن أن يحرق المنازل ويسبّب حروقاً مروّعة عندما يلامس البشرة».
ورفض الجيش الإسرائيلي تقديم أي تفاصيل بشأن الذخيرة التي يستخدمها في قطاع غزة، لكّنه أشار إلى أنّه «يستخدم فقط أسلحة مسموحاً بها بموجب القانون الدولي».
ويُستخدم الفوسفور الأبيض أساساً لصنع سواتر من الدخان أو لتحديد أهداف كآلية للإشارة إلى المواقع، لكنّها أيضاً أسلحة حارقة، تحرق الجلد واللحم ولا تبقي سوى العظم. كما أن استنشاقه لفترة قصيرة يسبب السعال ويهيج القصبة الهوائية والرئة. أما استنشاقه لفترة طويلة، فيسبّب جروحاً في الفم ويكسر عظمة الفك. ورغم ذلك لا تعتبر الذخائر التي تحتوي عليه أسلحة كيماوية.
والفوسفور الأبيض هو مادة شبه شفافة، تشبه الشمع، عديمة اللون أو ضاربة إلى الصفرة، تشبه رائحتها رائحة الثوم قليلاً. ويتفاعل الفوسفور الأبيض مع الأوكسجين بسرعة كبيرة، وتنتج عن هذا التفاعل غازات حارقة ذات حرارة عالية وسحبٌ من الدخان الأبيض الكثيف.
وتدعو منظمات حقوق الإنسان منذ فترة طويلة إلى حظر عالمي على هذه الذخائر التي تسبب معاناة كبيرة من خلال إحداث حروق شديدة. ويعود استخدام الفوسفور الأبيض إلى القرن التاسع عشر، واستعمله الجيش الأميركي في حرب فيتنام، وأقرّ باستخدام ذخائر تحتوي على الفوسفور الأبيض عام 2004 في مدينة الفلوجة العراقية. ودافع عن فعلته باعتباره مشروعاً.
واتُّهم نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين باستخدامه ضدّ الأكراد عام 1991، وكذلك الجيش الروسي ضد المقاتلين الشيشان في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. واستخدمته إسرائيل في اجتياحها لبنان عام 1982، وأكّدت أنها استخدمت قذائف تحتوي على الفوسفور الأبيض أثناء عدوانها على لبنان في تموز عام 2006.
وقد أشارت «هيومن رايتس ووتش»، في بيانها، إلى أن «إسرائيل بدا أنها تستخدم الفوسفور الأبيض في عدوانها على غزّة لإخفاء عملياتها العسكرية، وهو استخدام مسموح به من حيث المبدأ وفقاً للقانون الإنساني الدولي». لكن في هذا الشأن، فإن البروتوكول الثالث الملحق بمعاهدة عام 1980 في شأن الأسلحة التقليدية واضح، فهو يحظر استخدام الأسلحة الحارقة ضدّ المدنيين أو ضدّ الأهداف العسكرية التي تقع وسط تجمعات سكانية، إلا إذا كانت الأهداف منفصلة بوضوح عن المدنيين، وإذا جرى اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنّب سقوط ضحايا مدنيين.
وطبقاً لذلك، فإن إسرائيل استخدمت تلك القنابل ضدّ المدنيين، وضدّ الأهداف العسكرية الواقعة وسط التجمعات السكانية، ولم تتخذ الاحتياطات الممكنة لتجنّب سقوط ضحايا مدنيين، وبالتالي فإنها انتهكت بذلك القانون الدولي.
وقد عرضت محطة «الجزيرة» الإخبارية حالات عديدة تعرّضت للإصابة بحروق «عميقة» جرّاء الفوسفور الأبيض، ومنهم من تعرّض لتشوّهات وفقد عينيه، فضلاً عن الإصابة بشظايا في أماكن متفرقة من الجسم. وقال شهود عيان إنهم رأوا «كتلاً من النار تسقط على الأرض» على منازلهم وفي أماكن مرورهم. وأوضحت مصادر طبية أن أكثر من 55 جريحاً أُصيبوا بشظايا قذائف محشوة بالفوسفور الأبيض.
وكانت صحيفة «تايمز» البريطانية قد كشفت أنّ الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل الفوسفور الأبيض في عدوانه، وذكرت أنها تعرّفت إلى قذائف بالفوسفور الأبيض عبر صور أوردتها الصحف لمخزونات ذخائر للجيش الإسرائيلي التقطت الأسبوع الماضي عند الحدود مع غزة.
وأضافت الصحيفة أنه طُبع على هذه القذائف «أم 825 إيه 1»، ما يُشير إلى قنابل بالفوسفور الأبيض أميركية الصنع. ونقلت عن متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي نفيها أن تكون القوات تستخدم هذه القنابل. وقالت إن «قذائف «أم 825 إيه 1» كانت فارغة، ولا تحتوي على متفجرات ولا على فوسفور أبيض». وأضافت «إننا نطلقها لتمييز الهدف قبل إطلاق قذائف حقيقية، لا لقتل الناس». غير أن خبيراً في مجلة «جينز» البريطانية، أكّد للصحيفة أن القذائف هي قنابل فوسفورية.
(الأخبار)