Strong>إسرائيل تحصر أهدافها بمنع «تهريب السلاح» وافكار تركية بين حماس والقاهرةكتب أفيف ليفي في «معاريف»: «من المهم أن نعرف من أجل ماذا خرجنا للحرب: بدايةً جوّعنا شعباً بكامله من خلال الضغط على الحكم، والآن نقصف شعباً بكامله من خلال الضغط على الحكم. وبعد ذلك نفاجأ بهم لماذا لا «يتعلمون الدرس»، ولماذا يمتنع وعيهم عن الاكتواء. على الاقل في الواقع الذي أعرفه، فإن من ليس لديه ما يخسره لا يمكنه أن يتعلم الدرس»

إبراهيم الأمين
يقول الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلّح إن ما يطرح اليوم من تسميات للعدوان على غزة، ليس إلا جزءاً من آلة الدعاية التي اعدتها قوات الاحتلال في سياق عدوانها. وهو يناقش في هذه المسألة انطلاقاً من وقائع ميدانية مع بدء الاسبوع الثالث من المواجهة المفتوحة. وهي وقائع تشي باحتمالات كثيرة، لكنها تقدم الاجابة الاهم عن حقيقة ما حققته اسرائيل من عدوانها حتى الآن:
اولاً: في ملف المواجهات الميدانية، كانت قوات الاحتلال حتى مساء امس تعيش حالة المراوحة في المناطق التي دخلتها والتي تشكل إطار الحدود للقطاع مع أراضي الـ48. وحيث دخلت قوات الاحتلال الى مناطق مأهولة عمدت الى ارتكاب فظائع وكان هدفها المباشر هو اخراج السكان من تلك المنطقة، ولذلك فقد نزح نحو مئة ألف من ابناء القطاع باتجاه مدارس وأمكنة اخرى، وتركوا غصباً كل المنازل والاحياء التي دخلتها قوات الاحتلال. وهاجس العدو الميداني في هذه الحالة هو انه ما لم تكن الوجهة الجديدة واضحة، فإن بقاء القوات على الارض في هذه المنطقة سيعرضها لثبات يحولها الى اهداف، وكلما تأخر الوقت فإن احتمال نشوء مقاومة ضدها من الاهالي او من قربهم ومن حولهم هو احتمال قوي، وخصوصاً ان المواجهة الجارية الآن، تشهد تحولاً في آلية عمل جيش الاحتلال، حيث افادت جهات قيادية في المقاومة ان تجنب الاشتباك المباشر تطلب تعديلاً في المواجهة الميدانية، لناحية انه كلما اقترب جنود العدو من نقطة يلاحظون فيها حركة لرجال المقاومة او يشكون في وجود كمين، يعمدون الى طلب دعم سلاح الجو الذي يعمل على دك هذه المنطقة وتدميرها، ومن ثم افساح المجال امام المشاة للتقدم.
ثانياً: ان حاجة جيش الاحتلال الى انتصار حاسم ولا لبس فيه، تتطلب مشهداً مقابلاً اصله الاستسلام وخروج المقاتلين بلباس مدني بينما تعج الازقة والاقنية بالاسلحة والذخائر. وهو امر يحتاج تحقيقه الى خطة من نوع مختلف والى قرار بتحمل كلفة هذه المواجهة. وهو ما اشار إليه مباشرة قائد الحملة، قائد المنطقة الجنوبية اللواء يوآف غالانت، بطلبه من ايهود اولمرت وايهود باراك «المصادقة على توسيع الحملة وادخال قوات احتياط كبيرة الى القطاع واحتلال اجزاء واسعة منه». وقال لهما: «سندفع اثماناً بحياة جنود وسنمدد خدمة جنود الاحتياط، ولكننا سنحل شكلة الامن في الجنوب لسنوات عديدة». لكن التردد الذي يسكن غرفة القرار السياسي يستند الى عناصر اخرى، أهمها الشعور بأن الجيش لم ينجح في القضاء على بنية المقاومة.
رابعاً: كل التقارير التي تصدر عن جيش الاحتلال عن نجاحات في هذا الجيب او ذاك، لا تفي بنزع صورة الموت الجماعي المنقولة الى كل العالم من جهة، كما تفرض تعديلات مستمرة في برنامج الاهداف بحيث تراجع العنوان من سحق المقاومة وإنهاء سلطة حماس ونزع سلاحها الى طلب وحيد هو «ضمان عدم تهريب المزيد من الاسلحة والصواريخ». وهو امر لم يعد يحتاج استمرار المعركة لأن عنوان البحث صار في القاهرة، حتى إن تحقق هذا الامر وقبلت القيادة المصرية بجدول الاجراءات المقترحة من اسرائيل على الجانب المصري من الحدود، فإن في اسرائيل من سيخرج ويسأل قادته عن سبب هذه المذبحة ما دام الامر يحتاج الى تفاهم خاص مع مصر. علماً بأن في اسرائيل من يعتبر ان العدوان الوحشي أوجد الردع المطلوب لضمان عدم لجوء المقاومة من جديد الى قصف الصواريخ.

مفاوضات القاهرة: افكار تركيّة للحل

وحسب ما فهم من الجولة الاولى من اجتماعات القاهرة فإن ما بات محسوماً للجانب الفلسطيني هو الآتي:
اولاً: رفض تام لنشر قوات دولية داخل القطاع.
ثانياً: رفض تام لفكرة التهدئة الدائمة (سليمان يقترح بين 10 و15 سنة) والدعوة الى تجديد التهدئة لستة أشهر جديدة.
ثالثاً: رفض تام لفكرة تعديل الوضع داخل القطاع في ما خص وضعية المقاومة وقوتها ورفض تسليم الادارة لسلطة محمود عباس.
وبينما شدد سليمان على أن فكرة الانتشار الدولي لا يمكن ان تتم داخل الاراضي المصرية، فإنه شدد على أن القاهرة لن تقبل كما اسرائيل بفتح المعابر إلا في وجود اجهزة تتبع ادارياً وامنياً لسلطة رام الله.
أما الجانب التركي فهو يحاول ان يكون وسيطاً من خلال اقتراحه جملة من الافكار بينها:
ـ أن يتولى هو الحصول على ضمانات اسرائيلية وحتى مصرية للتقيّد بتنفيذ أي تفاهم.
ـ استبدال فكرة القوات الدولية بمراقبين دوليين يقومون بدوريات على طول الحدود وتكون مقارّهم داخل غزة.
ـ أن تقود أنقرة اتصالات من أجل تسوية فلسطينية ـــــ فلسطينية بشأن ادارة المعابر.
ولم ينس سليمان ان يجدد التهويل على وفد حماس بأن تحدث عن ان عدم الموافقة على المبادرة يعني دعوة اسرائيل الى شن هجوم نهائي يقضي باحتلال القطاع كاملاً، وتقديم صورة غير دقيقة عن الوضع الميداني، ما تطلب من الجانب الفلسطيني التأكيد على قرار الاستمرار بالمقاومة. وانتهى اللقاء الى ترك وفد حماس الآتي من دمشق أن يعود إليها لإجراء مشاورات على ان يعود الى القاهرة لاحقاً، بينما يتولى الجانبان المصري والتركي اجراء اتصالات مع اسرائيل وعواصم غربية لبلورة أفكار إضافية قابلة للحياة.
وبحسب ما هو وارد حتى الان، يبدو ان القيادة المصرية تلقت، اثناء سفر وفد حماس الى القاهرة، الرسالة عبر البث الحي، حين اعلن رئيس المكتب السياسي خالد مشعل الموقف الذي يتضمن رفضاً لأي تسوية جزئية، ورفض اي تهدئة دون تحقيق الشروط الخاصة برفع الحصار وفتح المعابر، ورفض القيود المفترضة لمنع ايصال اسلحة جديدة الى المقاومة، وذلك من خلال رفض الرقابة الدولية المباشرة او غير المباشرة. علماً بأن القاهرة تلقت جواباً واضحاً عن سؤال افتراضي وضعته هي عندما تحدثت عن خلافات داخل حركة حماس وأن قادة الحركة في غزة لديهم رأي مختلف عن الخارج، فكان أن قررت قيادة الحركة، وهي قيادة معروفة العنوان، تأليف وفد من قيادات غزة دون تعريض الجسم الاساسي لمغامرة، وإرساله الى القاهرة ليسمع سليمان حقيقة أن من في غزة هم اكثر تشدداً من الذين في الخارج، حيث ينقل عن اسماعيل هنية قوله «ليس بمقدور احد ان يوقّع استسلامنا باسمنا».

على أي خلفيّة تقود مصر المفاوضات؟

بعد اندلاع العدوان، تواصلت المشاورات بين القيادة المصرية والقيادة الاسرائيلية في ما يجري، وكان آخر لقاء تشاوري قد عقد قبل ايام بين عمر سليمان والمنسق الاسرائيلي الخاص عاموس جلعاد، الذي صار حاضراً بصورة شبه دائمة في القاهرة، وتشير وسائل اعلام العدو الى «ان التفويض الذي اعطي لجلعاد هو البحث في مسألة التهريب فقط». وهو ـــــ اي جلعاد ـــــ كان قد ابلغ المجلس الوزاري المصغر الجمعة الماضي ان هناك تفهماً من القيادة المصرية «لحاجتنا إلى وقف التهريب، ولكن في هذه المرحلة لم يقترحوا خطة متبلورة، ربما لديهم استعداد للانخراط في معالجة الموضوع وسنواصل معهم الحديث الى أن نصل الى حل عملي».
وقد عكس هذا الكلام الموقف الفعلي لإسرائيل الذي يقول «انه بدون حل مسألة التهريب، بحيث يتضمن آلية رقابة ناجعة في محور فيلادلفي، لن تنتهي الحملة»، مع الاشارة ـــــ كما اوردت وسائل اعلام العدو ـــــ الى ان اسرائيل اوضحت لواشنطن وباريس وبرلين ودول اخرى «ان حلاً يتضمن وجوداً دولياً في الجانب المصري من محور فيلادلفي وحده يرضي اسرائيل ويسمح بإنهاء الحملة. ويبدو ان هناك استعداداً من جانب الولايات المتحدة وألمانيا ودول اخرى لارسال خبراء هندسة الى المنطقة للمساعدة في معالجة الانفاق وكذا لاستخدام قوة بحرية تراقب تهريب السلاح».

لقاء سليمان وجلعاد

وكان جلعاد الذي يقوم بدور المستشار السياسي لباراك قد أجرى محادثات استمرت ساعات عدة مع عمر سليمان في قصر القبة بالقرب من مقر الاستخبارات العامة المصرية يوم الخميس 8 كانون الثاني. وقد ركزت المحادثات على الأوضاع في غزة، وتناولت نتائج الحرب بعد 13 يوماً من اندلاعها، ويبدو بحسب تقرير تلقته جهات عربية معنية مباشرة بالحرب، ان جلعاد ابلغ سليمان «أن المعضلة تواجه إسرائيل على الجانب العملياتي، وخاصة تطوير الهجوم البري نحو دخول المدن وعلى الأخص المدن التي يُعتقد أن قيادات حماس وقوتها العسكرية تتحصّن فيها». وأشار جلعاد إلى أن الإقدام على هذه الخطوة سيكون مصحوباً بخسائر بشرية كبيرة ودمار وهو ما سيجعل إسرائيل أكثر انكشافاً أمام العالم. وبيّن أيضاً أن العامل الآخر الذي يردع إسرائيل هو الخسائر المتوقع أن تتكبّدها القوات التي ستقتحم المدن وهي كبيرة ومرتفعة، ما يجعل وزير الدفاع وأعضاء الحكومة المصغرة يفكرون عميقاً في هذا الجانب.
وحسب التقرير نفسه فإن عمر سليمان ابدى من جانبه «انزعاجه من عدم تمكن القوات الإسرائيلية رغم مرور 13 يوماً على بدء الهجوم الجوي والبري من توجيه ضربة كافية لان تستسلم «حماس» وقال لمحدثه: «منحناكم مهلة كافية لحسم الحرب على حماس، أبلغنا بأن تقديرات الجيش والامن حددت فترة زمنية ما بين 3ـ4 أيام لحسم الحرب وإسقاط حماس وانتهاء سطوتها على القطاع. كما أن رئيس الموساد مائير داغان أبلغني شخصياً في طابا أن أجل حماس قد اقترب وأن حسم المعركة معها لن يتجاوز الأسبوع على أبعد تقدير».
ويضيف التقرير ان جلعاد رد على سليمان بأن اسرائيل فوجئت «بعوامل عدة لم تكن واردة في الحسابات منها توافر وسائل القتال المتطورة التي بحوزة حركة حماس، والتي شكّلت عائقاً أمام حسم الحرب السريع. ووجود مخزون كبير من الصواريخ بحجمه وحتى في نوعية بعض ما هو موجود، وقد ولّد حالة من الارتباك نتيجة توسع واستمرار تعرض الجبهة الداخلية للضغط المباشر، وهذا يعني ان درجة الاستعداد لدى حماس عالية للدخول مع قواتنا في مواجهة طويلة وهو ما لن يكون مفيداً لإسرائيل».
وحسب التقرير فإن سليمان وجلعاد «اتفقا على ضرورة الحؤول دون تمكين حماس من جني أية ثمار لهذه الحرب، أو السماح لها باستمرار سيطرتها المطلقة على قطاع غزة. وهذا تطلب الاتفاق على تنسيق يشمل اتخاذ إجراءات مشتركة لمنع عناصر حركة حماس بعد وقف إطلاق النار من إعادة بناء قوتها العسكرية من خلال تنسيق إجراءات منع دخول أية أسلحة أو مواد يمكن استخدامها في تطوير وسائل قتالية أو صاروخية إلى القطاع عبر المعابر وخاصة معبر رفح، وتنسيق الجهود الدبلوماسية من أجل تكوين آلية دولية (قوات دولية) للمرابطة على حدود القطاع وعلى الحدود بين مصر والقطاع لتحقيق أعلى مستوى من ضبط الأوضاع، بحيث لا يتكرر مشهد إطلاق الصواريخ أو أي نوع من النيران على المستوطنات والمدن الإسرائيلية أو أية عمليات تنطلق من قطاع غزة. وسيتم ذلك عن طريق منح هذه الآلية صلاحيات الدخول إلى المدن والمخيمات والقيام بعمليات تفتيش واعتقال الناشطين».
وبحسب التقرير فإن الاتفاق يشمل «ضمان وجود رقابة إسرائيلية على معبر رفح، لأن هذا المعبر مفتوح على الأراضي المصرية واستخدامه لغير أهداف وأغراض مدنية يؤثر سلباً على أمن كل من مصر وإسرائيل، والالتزامات التي ترتّبها اتفاقية السلام مع مصر وإسرائيل تحتم التنسيق الأمني بينهما بما في ذلك الوضع عند معبر رفح، لمنع دخول وخروج العناصر الخطرة من أعضاء حماس لتلقّي التدريبات العسكرية في لبنان وسوريا وإيران والسودان. وكذلك الاتفاق على عودة سلطة أبو مازن إلى القطاع بعدما نجحت الإجراءات التي قام بها في الضفة الغربية منذ حزيران 2007 في وقف العمليات وتفكيك بنية حماس والجهاد بل وحتى شهداء الأقصى فيها. كما اتفق على إجراء سلسلة من الاتصالات واللقاءات بين مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية من أجل دعم عباس عبر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تكون حركة حماس الطرف الخاسر فيها، وخاصة أن هذه الخسارة ستكون مبررة بعد هذا الدمار الذي لحق بالمدنيين في قطاع غزة».