strong>توقّع مصرف «Standard Chartered Bank» في تقرير أصدره الأسبوع الماضي أن تدفع الأزمة الماليّة العالميّة والتدهور الاقتصادي إلى تقلّص نموّ البلدان الخليجيّة التي تعاني من تراجع أسعار النفط. وفي تقرير مواز بـ«واقعيّته» قالت «المجموعة المالية ـــ هيرميس» أمس، إنّ الاقتصاد السعودي لن يتراجع نموّه فقط، بل سيتقلّص
تضافرت العوامل الماليّة والاقتصاديّة السلبيّة لتدفع بلدان الخليج العربي الغنيّة بالنفط إلى إعادة صياغة توقّعاتها في شأن النموّ المتوقّع خلال عام 2009، الذي يجمع المحلّلون على أنّه سيشهد الانعكاسات الحقيقيّة للأزمة الماليّة العالميّة، حيث ستؤدّي عراقيل فقدان الثقة وموجة الركود إلى تراجع عجلة الاقتصادات النامية والمتقدّمة على حدّ سواء، كذلك سيؤدّي انخفاض عائدات النفط، الذي تراجع سعره بأكثر من 75 في المئة منذ الصيف الماضي، إلى تقلّص المشاريع الاستثماريّة وبالتالي التشغيل والطلب.
وإعادة الصياغة التي تعتمدها حكومات بلدان مجلس التعاون الخليجي (السعوديّة، الإمارات، البحرين، الكويت، عمان وقطر) تنعكس في الموازنات المقترحة التي يتراوح سعر برميل النفط فيها بين 35 دولاراً و45 دولاراً لعام 2009، وهو الآن عند حدود الـ40 دولاراً. أمّا التقارير التي تصدرها المؤسّسات الدوليّة فتتحدّث عن خفض في توقّعات النموّ لدرجة قد تلامس بعض الاقتصادات الخليجيّة عتبات الركود.
وآخر تلك التقارير هو التقويم الذي قدّمته المجموعة الماليّة المصريّة «هيرمس» الذي توقّع انكماش الاقتصاد السعودي بنسبة 0.9 في المئة في عام 2009 نظراً للخفوضات الحادّة التي يخضع لها إنتاج النفط، وذلك على الرغم من أنّ القطاع غير النفطي سينمو، بحسب تقديراتها، بنسبة 4.2 في المئة انخفاضاً من 5.2 في المئة في العام الماضي.
وتقول المجموعة المالية إنّ النموّ في البلد الخليجي سيعود بقوّة في عام 2010 وسيبلغ 4.7 في المئة، إلّا أنّ خفضها لتوقّعات النموّ بالنسبة لعام 2009 من 2.4 في المئة يشير إلى الظروف الاقتصاديّة الحادّة التي سيمرّ بها أكبر مصدّر للنفط في العالم. فأرقام ميزان المعاملات الجارية والناتج المحلي الإجمالي ستتدهور تدهوراً ملحوظاً.
وكانت وزارة المال السعوديّة قد توقّعت تسجيل المملكة أوّل عجز لها منذ عام 2002 مع ارتفاع الإنفاق لتحفيز النموّ، ولكن لهذا الإنفاق تأثيراته الإيجابيّة إذ إنّه سيحدّ من التقلّص المتوقّع أن يشهده الاقتصاد.
وبموازاة تقرير «هيرميس»، أصدر «بنك الكويت الوطني» مذكّرة بحثيّة أمس، قال فيها إنّ نموّ الاقتصاد في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة سيتباطأ إلى واحد في المئة في 2009 بسبب تراجع إنتاج النفط وتباطؤ نمو القطاعات غير النفطية، وذلك وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز».
وقال البنك إنّه من المعتقد على نطاق واسع أن الإمارات هي أكثر اقتصادات المنطقة تعرّضاً للتدهور الشديد في المناخ الاقتصادي والمالي العالمي. وأضاف أنّ نهاية الطفرة التي شهدها اقتصاد الإمارات، ثاني أكبر اقتصاد بين بلدان مجلس التعاون، في السنوات الأخيرة ستكون حادة وستؤذن بفترة من النمو الأضعف كثيراً، وذلك بعد تسجيل نسبة نموّ بلغت 5 في المئة في عام 2008.
ويبدو بالتالي أن توقّعات نموّ البلدان الخليجيّة لا تنفكّ تزداد سوءاً، فالأسبوع الماضي قال المحلّلون في مصرف «Standard Chartered Bank»، في تقرير متشائم أصدروه حول النموّ في الخليج، «أخذنا في الاعتبار حقيقة أنّ البلدان الخليجيّة ليست منفصلة عن الاقتصاد العالمي وعن التطوّرات الاقتصاديّة في الغرب. وفيما الاقتصاد الكوني يمرّ في مرحلة ركود، هناك مخاطر تحيق بالنمو في الخليج».
وخفض المحلّلون نسبة النموّ المتوقّعة لاقتصاد الإمارات من 2.7 في المئة إلى 0.5 في المئة، وللاقتصاد السعودي من 2 في المئة إلى 1 في المئة وللاقتصاد الكويتي من 3 في المئة إلى 1.5 في المئة، أي أنّ نسبة التراجع تبلغ 50 في المئة.
أمّا الاقتصاد العماني فيُتوقّع نموّه بنسبة 2 في المئة، بعدما كانت نسبة النموّ المتوقّعة سابقاً 2.5 في المئة، فيما يرجّح نموّ الاقتصاد البحريني بنسبة 2.5 في المئة عوضاً عن 3.5 في المئة.
والبلد الوحيد الذي شهد تقويم نسبة نموّ اقتصاده منحى إيجابياً كان قطر، الذي يعتمد أساساً على صادرات الغاز الطبيعي المسيّل. فالمصرف حافظ على توقّعات النموّ الذي يرجّح أن تبلغ نسبته 4.5 في المئة.
إذاً، فبلدان الخليج العربي ستشهد انعكاسات الأزمة الاقتصاديّة من زاوية تراجع أسعار النفط وعائداته، نظراً لاعتماد موازناتها واقتصاداتها عموماً على بترودولارات ستتقلّص مع تراجع الطلب على الوقود الأحفوري بسبب موجة الركود. ولا يسعها الآن سوى الأمل في أن يكون الواقع أقلّ سوءاً من التوقّعات بعدما سجّلت خلال الأعوام الماضية نسب نموّ ثابتة وبدا أنّها ستحتوي انعكاسات الأزمة المالية.
(الأخبار)


ميزات هيكليّة!

«نرى النصف الأوّل من عام (2009) الأكثر خطورة، ولكن نظراً للعوامل الإيجابيّة المتعلّقة بالهيكليّات، نتوقّع أن تظهر الاقتصادات (الخليجيّة) نوعاً ما من التعافي خلال النصف الثاني»، بهذه العبارة لخّص «Standard Chartered Bank» توقّعاته الاقتصاديّة لعام 2009 في الخليج العربي. ولكن إذا كان هناك من ميّزات هيكليّة لكانت بلدان المنطقة قد نوّعت اقتصاداتها وأبعدت اعتمادها عن النفط كلياً. وعلى أيّ حال فإنّ المصرف يتوقّع أن تؤدّي موجة التراجع الاقتصادي إلى انحسار الضغوط التضخميّة التي سيطرت خلال السنوات الماضية.