مهى زراقطيتهادى الكفن بين أيادي أربعة أطفال لا يتجاوزون الخامسة من أعمارهم. لا ينظرون إلى اللعبة الملوّثة باللون الأحمر التي وضعت عليه، بل إلى كاميرات مراسلي الوسائل الإعلامية التي أحاطت بهم. المصوّرون يطالبونهم باتخاذ وضعيات معيّنة تتيح التقاط الصورة الأكثر تأثيراً بالنسبة إليهم، والأطفال يحاولون تنفيذ ما يطلب منهم. في لقطة أولى نراهم ينفصلون عن المسيرة ويقفون وحدهم في منتصف الطريق. وفي لقطة ثانية، يرفعون قبضاتهم ويحاولون الهتاف، لكن الخجل يغلبهم. ومع تكاثر عدد المعتصمين أمام مقرّ الصليب الأحمر الدولي صباح أمس، تضامناً مع أطفال غزة، يصمت الأطفال تماماً ويروحون ينظرون بدهشة إلى ما يحيط بهم.
خلف الأطفال الذين رُصّوا في مقدمة الاعتصام، وقفت معلّماتهم ورحن يرددن الهتافات بصوت مرتفع. «كتائب عز الدين، بدنا الثورة لفلسطين»، «ثوري ثوري يا حماس، أنت الثورة ونحن رصاص»، «بالروح بالدم نفديك يا غزة»... نظرات الأطفال تبدو فارغة. أحدهم لا يحيد عينيه، فاغراً فاه، عن شفتي سيدة منفعلة كانت تهتف بصوت مرتفع ملوّحة بالعلم الفلسطيني، وأخرى تمسكت بقنينة مياه بلاستيكية لفت بقماش ملوّن بالأحمر. تقول لنا إن ما تحمله «طفل مقتول». الطفل الذي يقف قربها، يحمل شيئاً مشابهاً، يقول إنه لعبة. لا يجيب أطفال الصف التمهيدي عن السؤال عن سبب وجودهم في هذا المكان الذي تكثر فيه الكاميرات والأسئلة. نظراتهم تتجه إلى معلّماتهم اللواتي يساعدنهم في الإجابة. «قولي إننا هنا كرمى لغزة» تقول المدرّسة لطفلة ارتدت العلم الفلسطيني فوق مريولها المدرسي. تكرر الطفلة ما تقوله المعلمة، وتصمت مجدداً رغم السؤال المتكرّر لها عما إن كانت تعرف ما ترتديه. زميلتها كانت ترتدي الثوب الفلسطيني التقليدي، تعرف أنها هنا من أجل الدفاع عن «الولاد اللي عم يموتوا ع التلفزيون». هي تشاهد الأخبار وتسأل أمها يومياً عمّن يقتل هؤلاء، تقول لنا والدتها التي شاركت في الاعتصام مع طفلتها الرضيعة. ترفض السيدة الثلاثينية لهجة السؤال الاستنكارية عن مساوئ تعريض الطفل للمشاهد الدموية في غزة: «لا مش غلط، خليهن يشوفوا. نحن شعب انكتب عليه النضال. لشو بدنا نخبّي؟ جيل بعد جيل الثورة بدنا نورثّهم ياها».
لا يبدو أننا سننتظر كثيراً نمو هذا الجيل. وسط الاعتصام، طفلة في السادسة من العمر تحمل مكبراً للصوت وتهتف: إسرائيل احتلت غزة، دمّرت المساجد، منعت الأكل عن الأولاد، موّتتهم، مش حرام عليهم؟
طلاقة تلك الطفلة وشجاعتها في الحديث تدفع إلى طرح السؤال: هل كانت تلك السيدة محقة؟