إزاء «عقم» الدبلوماسية الفرنسية في إنهاء المجازر الصهيونية في قطاع غزّة، عاد مناهضو الصهيونية إلى شوارع فرنسا، وعادت معهم الحوادث الطائفية بين المسلمين واليهود
باريس ــ بسّام الطيارة
بات محسوماً لدى العديد من المراقبين في باريس أن الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزّة لن تتوقف قبل 20 من الشهر الجاري، وهو موعد تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب، بارك أوباما. هذا هو شعور «الشارع الفرنسي» الذي تحرّك يوم السبت الماضي، نصرة لغزة في أكثر من ٨٠ تظاهرة وتجمعاً ومسيرة. عشرات الآلاف ساروا في باريس للاحتجاج على الهجوم على غزة تحت شعارات «إسرائيل قاتلة» و«أوقفوا المذبحة».
وتميّزت تظاهرة العاصمة بمشاركة عدد من السياسيين اليساريين، بالإضافة إلى المفوضة العامة لفلسطين لدى فرنسا، هند خوري. وفي مدينة ليل الشمالية، طالب نحو عشرة آلاف متظاهر، باحترام القانون الدولي، وساروا وراء لافتة تقول: «العالم يقول لا للاحتلال». وفي المدينة الصناعية ليون، وصل عدد المتضامنين مع غزة إلى أكثر من 15 ألف شخص، بينما في نيس المتوسّطية، انتهت التظاهرة الحاشدة بتحطيم الواجهة الزجاجية لمطعم «ماكدونالد»، وملهى «رول» في كورنيش «متنزّه الإنكليز» على البحر.
وبرّر أحد المتظاهرين، مهاجمة «ماكدونالد» بالقول «إنه مطعم أميركي ويقدم المال لإسرائيل». وبينما كان البعض الآخر يبحث عن مقهى «ستاربكس» الأميركي لتحطيمه أيضاً، برّر متظاهر آخر مهاجمة ملهى «رول»، بأنه «يهودي».
أما في مدينة تولوز في جنوب غرب البلاد، فقد رأى المتظاهرون أن ساركوزي «متواطئ مع (الرئيس جورج) بوش و(وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي) ليفني ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود) باراك» في جريمة ذبح غزة.
وخضعت مجمل التظاهرات لإجراءات أمنية مشدّدة لتجنب حصول مخالفات، مثل أعمال نهب وإحراق السيارات، ولتفادي الاحتكاك مع مناصري الدولة العبرية ومجازرها. ويشير البعض في عاصمة الأنوار إلى أنّ تحرّك «مؤيّدي إسرائيل»، يهدف إلى مواجهة «تفكك صورة إسرائيل» لدى الرأي العام الفرنسي. ويقود هذا الأمر إلى حالة «خوف كبير» من استيراد العنف من الشرق الأوسط إلى فرنسا، وخصوصاً في ظل وجود جاليات عربية أو مسلمة الأصول، تتعاطف مع القضايا العربية، وتمثّل «قاعدة لموجات الاستنكار». موجات تزداد حدتها كلما ازداد عدد القتلى والجرحى، بحسب تعبير أكثر من مراقب، وخصوصاً في ظلّ عقم المعالجة الدبلوماسية، و«إفلات إسرائيل الدائم من العقاب».
وفي السياق، نبّه رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا فيّون، بمصطلحات حازمة، إلى أن «الجمهورية لن تقبل بأن يستغل بعض المتطرفين هذه الحرب لتأجيج النزاع بين الطوائف»، محذّراً من الاقتصاص من «كل من يتطاول على أماكن عبادة مسلمة أو يهودية»، في إشارة إلى مهاجمة كنيس في تولوز، بالإضافة إلى انتشار كتابات مهينة للدينين الإسلامي واليهودي.
ويندرج الهجوم بزجاجة مولوتوف مساء أول من أمس، على كنيس في الضاحية الباريسية سان ــ ديني، في سياق ارتفاع وتيرة العداء الديني. وأدّى الهجوم إلى حريق في واجهة مطعم يهودي مجاور، وهو ما دفع برئيس المجمع المركزي ليهود فرنسا وباريس، جويل ميرغي، إلى التعبير عن «غضبه حيال هذا التصرف الجديد المعادي للسامية الذي يلي تهديدات وأعمالاً خطرة ضد الطائفة اليهودية في كل أنحاء فرنسا».
وبهدف تبريد الأجواء المشتعلة، تمكّنت وزيرة الدفاع، ميشال أليو ماري، من جمع رؤساء المجالس الفرنسية للمسلمين وللمؤسسات اليهودية، في «لقاء عمل» حضره مسؤولون أمنيون. ويلفت أحد المقربين من هذا الملف إلى أن «الهلع» يسود أوساط الأمن الفرنسي، الذي يتوجّس من انتشار حريق النزاع بين الطائفتين.
ومن ضمن حالة الطوارئ الرسمية في فرنسا، اجتمعت وزيرة الدولة لشؤون المدن، فاضلة عمارة، أمس، مع مندوبي بعض الهيئات الدينية لمناقشة «التصرفات المعادية للسامية التي توالت منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة».
ووفق «رئيس مكتب مراقبة اللاسامية» سامي غوزلان، بدأت بعض «الأحداث الفردية تأخذ طابعاً منهجياً»، معدداً حوادث ضرب أو شتائم، كلها تشير إلى «تصاعد التوتر بين المجموعتين».
في المقابل، تتخوف بعض المنظمات المسلمة من «استفزاز القوى اليمينية الإسرائيلية»، متهمة إياها بالعمل على «تلطيخ سمعة العرب والمسلمين». وتحاول منظمات «محايدة»، التوسّط بين الطرفين، مثل «منظمة محاربة التميز العنصري واللاسامية»، التي تحثّ الجميع على إبقاء «التنديد والتأييد ضمن إطار حرية الرأي».