كان العام الماضي مأساوياً على بورصات العالم، فنتيجةً للأزمة التي ولّدها انفجار فقاعة الرهون العقاريّة، خسرت أسواق المال 30 تريليون دولار. وفي ظلّ توقّعات أنّ العام الجاري سيشهد مفاعيل الأزمة على الصعيد الاقتصادي، ستستمرّ الخسائر في الأصول كالأسهم والمنازل، وقد تبلغ 1 تريليون دولار وفقاً لتقرير «The Global Risks» لعام 2009
حسن شقراني
تتوافق جميع التحاليل الاقتصاديّة والتوقّعات الماليّة على أنّه رغم أنّ الأسوأ من أزمة الائتمان العالميّة قد انتهى على الصعيد المالي، إلّا أنّ المزيد لا يزال ينتظر العالم، وتحديداً طبقته الوسطى، على الصعيد الاقتصادي. ولكن ارتفاع معدّلات البطالة ومؤشّرات الكساد يكون في حلقة قد تعيد إطلاق خطر جديد هو خسارة الأصول (الماليّة وغير الماليّة) حول العالم 1 تريليون دولار من قيمتها في العام الجاري، ما يمثّل التحدّي الأكبر أمام اقتصادات العالم وخطط الإنقاذ المالي والتحفيز الاقتصادي التي تطوّرها الحكومات في العالمين النامي والصناعي.
الرقم يطرحه تقرير «The Global Risks» لعام 2009، الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع مؤسّسات ماليّة ومصارف حول العالم مثل «Citigroup» الذي عانى بنفسه من التقويم الخاطئ للأصول، إذ راهن بقوّة على المنتجات الماليّة المتعلّقة بالرهون العقاريّة الأميركيّة، وخسر منذ تشرين الأوّل من عام 2007 حوالى 20 مليار دولار.
وبحسب مدير المنتدى، كلاوس شواب، فإنّ «عام 2009 سيكون لتلقّي الدروس من الأزمة الماليّة، وهو عام يدعو إلى صياغة هندسة جديدة لعالم المال، والنافذة التي يمكننا من خلالها معالجة أحد أبرز التحديّات في زماننا هي ضيّقة جدياً». وبالفعل، فإنّ ما أحدثته العاصفة الماليّة خلال العام الماضي في جميع المراكز الماليّة في العالم أدّى إلى خسارة 53 بورصة في أكثر البلدان تقدّماً حوالى 30 تريليون دولار.
فقد تراجع مؤشّر «Dow Jones» في نيويورك بنسبة 35 في المئة، والمؤشّرات الماليّة في بورصات ألمانيا وإسبانيا والبرازيل واليابان انخفضت بأكثر من 40 في المئة من قيمتها.
ووفقاً للتقرير، فإنّ معظم البلدان تواجه واقعاً اقتصادياً صعباً خلال العام الجاري. وإلى جانب المطبّات الماكرو اقتصاديّة، لا تزال الأسواق الماليّة هشّة ومهدّدة بفقدان نسب مرتفعة من قيم الأصول المتداولة فيها.
وهذه الخسارة المتوقّع تسجيلها تمثّل بحسب التقرير الخطر الأبرز المتوقّع خلال عام ما بعد العاصفة الماليّة «فرغم أنّ أسعار العديد من الأصول، وبينها المنازل والأسهم وسندات الشركات، انهارت دراماتيكياً، لا تزال هناك هواجس من إمكان حدوث خسائر في مجموعة كبيرة من الأصول في المدى القصير».
ويتمتّع التقرير بالنظرة التشاؤميّة نفسها التي تقدمها التقارير الاقتصاديّة المختلفة حول العالم. والصورة تبدو على الشكل الآتي: البلدان الصناعيّة سينخفض نموّ اقتصاداتها بوضوح، بل قد يتحوّل إلى تقلّص، فيما البلدان النامية سيتراجع نموّها وستظهر الانعكسات الحقيقيّة للأزمة على هيكليّاتها الهشّة في بعض الأحيان أو المعتمدة على أسواق البلدان الصناعيّة في أحيان أخرى.
وعلى سبيل المثال، فإنّ البلدان الأوروبيّة جميعها يرجّح دخول معظمها في مرحلة ركود في الفصل الأوّل من العام الجاري، فيما الأرقام لا تزال تزداد سوءاً في الضفّة الأخرى من الأطلسي حيث يشدّد الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما على ضرورة إقرار رزمة محفّزات اقتصاديّة تبلغ قيمتها 775 مليار دولار في الوقت الذي وصل فيه معدّل البطالة إلى 7.2 في المئة.
أمّا البلدان النامية، وعلى رأسها الصين والهند وروسيا والبرازيل، فهي ستتعرّض لموجة تراجع ملموس للنموّ. فالبلد الشيوعي الذي سجّل نسبة نموّ بلغت 9 في المئة عام 2008، يرجّح أن ينمو بنسبة 6 في المئة فقط في عام 2009، بحسب التقرير، وذلك على الرغم من رزمة التحفيز الاقتصادي التي تبلغ قيمتها 586 مليار دولار وتهدف إلى زيادة الإنفاق الاستثماري الحكومي.
وفي السياق فإنّ روسيا التي تعتمد على صادراتها من النفط والغاز لتحفيز نموّها، يُتوقّع أن يتراجع نموّ اقتصادها بوضوح، بعدما توسّع الاقتصاد بنسبة تفوق 7 في المئة في عام 2008.
هذه الإحداثيّات ستؤدّي بطبيعة الحال إلى استمرار الهشاشة في أسواق المال، رغم أنّ كانون الأوّل الماضي شهد انتعاشاً نسبياً في مؤشّرات البورصات، وذلك يعود أساساً إلى خطط الإنقاذ المالي التي اعتمدتها الحكومات والتي أدّت إلى إحلال استقرار معيّن ولكنّه بحسب التقرير لا يزال غير ثابت.
والخطورة تكمن في إمكان أن يكون عدم الثبات أكثر حدّة. فالتقرير يتوقّع أن تبلغ الخسائر 1 تريليون دولار، ولكنّ نسخته لعام 2007، حسبما تنقل وكالة «أسوشييتد برس»، لم تتوقّع انفجار فقاعة الرهون العقاريّة في الولايات المتّحدة أو تفترض أي مخاطر تتعلّق بها!


ذكر الفساد

للمرّة الأولى منذ إعداده، يذكر تقرير «The Global Risks» المخاطر المتعلّقة بالفساد في تقديم المعلومات أو الإفصاح عن الخسائر، غير أنّه، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، لا يذكر الفساد المالي والخسائر الضخمة المتعلّقة بانهيار منظومات فساد مالي ضخمة كتلك التي أدارها المدير السابق لبورصة «ناسداك»، برنارد مادوف، والتي بلغت قيمتها 50 مليار دولار. وقامت تلك المنظومة على تدوير غير محدود لأموال المستثمرين. واللافت هو أنّ هذه المنظومة لم تخضع في أيّ فترة من الفترات لتدقيق هيئة الرقابة على السوق الماليّة.