باريس ــ بسّام الطيارةرغم المخاوف من اندلاع صراع بين الجاليات العربية والمسلمة، وبين أبناء الطائفة اليهودية في فرنسا على خلفية مجازر غزّة، يبدو أنّ الدبلوماسية الفرنسية لا تزال تعمل ببرودة موصوفة. هكذا يحمل وزير الخارجية برنار كوشنير بيد مبادرة بلاده التي سعت من الساعات الأولى لبدء المجازر الصهيونية، إلى فرض وقف إطلاق نار، وبيد أخرى تحميل «حماس» مسؤولية الحرب.
ومع ذلك، فإن رئيس الدبلوماسية الفرنسية انزلق في مداخلته على القناة الثانية أمس، في مواجهة كلامية مع ممثلة فلسطين لدى الاتحاد الأوروبي، ليلى شهيد. فخلال رده على سؤال عن ارتكاب إسرائيل «جرائم حرب»، حاول كوشنير التملص من الإجابة. عندها حاول المذيع «حشره» بطلب «جواب نعم أو لا»، فما كان من الدبلوماسي الأرفع سوى الإجابة بـ«نعم». بعدها خفّف من حدة الإجابة بقوله إنّ تل أبيب قد تجاوزت الحدود، وإن «الكيل قد طفح» في وصفه عنف المجازر في غزة.
وتنبع حساسية إجابة كوشنير بأنه يدرك، كما هو حال كل العاملين في هذا الملف، أن اتهام إسرائيل بارتكاب «جرائم حرب»، هو السياق الذي اختارته الجمعيات الناشطة والمناهضة للدولة العبرية، في تحركاتها المقبلة.
ودبلوماسياً أيضاً، رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية، إيريك شوفاليه، أن تحقق وقف إطلاق النار، «يتطلب أن يحصل كل طرف على مطلبه»، وهو ما يوضح حجم المأزق، بحسب أكثر من مصدر، بسبب تناقض المطالب بين «حماس» وإسرائيل.
وأفصح شوفاليه عن مساعٍ فرنسية للحصول «على مساعدة إيران بهذا الشأن»، موضحاً أنّ كوشنير قد اتصل بنظيره الإيراني منوشهر متكي لهذا الغرض، قبل أن يعود ويشير إلى أنّ «من الصعب الحديث عن ضمانات إيرانية». وعن نوع المساعدة التي تطلبها باريس من طهران، لفت إلى أنها تُختَصَر بـ«الضغط على حماس لتقبل وقف إطلاق النار، وهو ما تطلبه سوريا أيضاً».
وعلى الصعيد القضائي، علمت «الأخبار» من مصادر موثوقة، أنّ عدداً من الجمعيات الفرنسية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، قد بدأت إجراءات لتحرك قضائي لمحاكمة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين. تحرك يصب في ثلاثة اتجاهات حسبما أوضح المحامي الفرنسي الذي يتابع ملف الدعاوى، جيل دوبيرز:
١ــ محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهو ما لا يتمّ إلا من طريقين:
أـ تقديم الدعوى من دولة. وعلى هذا الأساس، توجه دوبيرز، برفقة الناشط الحقوقي، عبد العزيز السنبي، ورئيس منظمة «من أجل الصداقة بين الشعوب» (مراب)، مولود عونيت، إلى قصر الإليزيه لنقل الدعوى إلى الرئيس نيكولا ساركوزي. وتتمنى الجمعيات أن تستفيد فرنسا من ترؤسها مجلس الأمن هذا الشهر، لرفع الدعوى رغم استبعاد الجميع أن تتحرك باريس في هذا الاتجاه، وخصوصاً أنها امتنعت عن تأييد قرار مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
ب ـ من خلال تقديم «دعاوى جماعية»، رغم استبعاد الأخذ بها من المدعي العام لمحكمة العدل الدولية، لما فيها من انعكاسات سياسية.
2 ــ يسعى عدد من الجمعيات الأوروبية للضغط على الاتحاد الأوروبي، لسحب «قرار ترفيع العلاقات مع إسرائيل»، إذ إن القانون الأوروبي يترك مهلة ٦٠ يوماً قبل دخوله حيّز التنفيذ، لإفساح المجال أمام الاعتراض عليه.
وللغرض نفسه، غادرت رئيسة منظمة «التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب»، المحامية مي الخنساء، برفقة عدد من الناشطين الأوروبيين إلى هولندا بعد ظهر أمس. ومن المقرّر أن يقدّم الوفد اليوم، شكوى مؤلفة من 25 صفحة تبيّن «الجرائم التي يرتكبها الإرهاب الصهيوني»، بحسب بيان للمنظّمة، حصلت «الأخبار» على نسخة منه.
وتطالب الشكوى باعتقال الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيري خارجيته كوندوليزا رايس ودفاعه روبرت غيتس، بالإضافة إلى وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، ورئيس الحكومة إيهود أولمرت، ووزير الدفاع إيهود باراك، ونائبه ماتان فيلنائي، وقائد الجيش غابي أشكنازي.
3 ــ أما الوسيلة الثالثة، فهي رفع دعاوى فردية من مواطنين فرنسيين، أمام مدعي الجمهورية. وقد علمت «الأخبار» أن بعض المواطنين يسعون بالفعل إلى رفع مثل هذه الدعاوى على مواطنين فرنسيين يحملون أيضاً الجنسية الإسرائيلية، وثبتت مشاركتهم في العمليات الحربية في جيش الاحتلال.