ضغوط على القاهرة لإجراءات من طرف واحد لمنع التهريب■ ضراوة العدوان لا تفرض تنازلات وجهود باتجاه تغيير الواقع
■ عمر سليمان يريد اتفاقاً بأيّ ثمن قبل قمة الدوحة الجمعة

في «معاريف» كتب عوفر شيلح «يعرف غابي أشكينازي أنه في تفجير مبنى واحد في صور، (بعد 5 أشهر من اجتياح 1982) فقد الجيش الاسرائيلي الكثير. النجاح يقاس بعد أشهر، حيث سيخرج من الجحور كل رجال الذراع العسكرية، وسيحاولون ملاحقة الجيش الاسرائيلي بالضبط بهذه الطرق»

إبراهيم الأمين
على وقع الصراخ المرتفع من قاعات الاجتماعات الماراتونية في القاهرة، والبريد السريع أو ذلك المنتقل بحقائب دبلوماسية عبر خدمة جوية خاصة، يبدو أن في العالم من يريد إنهاء حرب غزة بنتائج الأمس، أي إن في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض العواصم العربية من يريد أن تحصد اسرائيل، وهم من خلفها أو أمامها، اكبر قدر من النقاط من جانب «حماس» وبقية قوى المقاومة في غزة. وقاعدة النقاش لا تزال هي إياها منذ اليوم الأول: لقد اجهزت اسرائيل على غالبيتكم، فإما أن تقبلوا الآن بالمبادرة، ونحن نرتب لكم الاستسلام المشرّف، وإما أنها تنتظر عند أبواب غزة لتحرقها بالنيران. وفي كل مرة يتلقى فيها قادة جيش الاحتلال تقارير عن رفض من «حماس»، تنتعش المدفعية من البر والجو والبحر لرفع صوت صراخ أهل القطاع الى القياديين في غزة ودمشق والقاهرة أيضاً.
ليلة أول من أمس كانت جنونية. قال مواطنون وقياديون، من داخل القطاع، إن اسرائيل كانت كأنها في حفلة العاب نارية، جعلت مباني القطاع أهدافاً للرماية بكل أنواع الأسلحة، والانفجارات التي لا تتوقف لم تجعل أحداً ينام، كما عطلت إمكان إسعاف العشرات من الذين أفاقت غزة عليهم شهداء أو جرحى.
التقارير التي تصل الى القيادة السياسية عن عمل الميدان، تشير الى استمرار الضغط الكثيف من جانب جيش الاحتلال. ضراوة ووحشية في القصف عند الاشتباه بأي هدف. وعملية إبعاد الناس وترحيلهم وإخلاء المناطق مستمرة. وتسبق ذلك وتليه عملية الحرق المتواصلة لكل ما هو حي في المكان. ولكن المقاومين، برغم كثرة بياناتهم غير المحبّبة، يفيدون عن عدم وجود التحامات جدية حتى الآن، وواضح ان حركة جيش الاحتلال تأخذ بالحسبان إمكان إقدام المقاومة على عمليات خاصة تستهدف تجمعات أو نقاطاً ثبتت على عجل من دون إجراءات الحماية التقليدية. والخشية هذه فيها إجابة مسبقة عن السؤال الأهم الذي يشغل بال قيادة جيش الاحتلال الآن، اذ ان الجميع يبرر المراوحة في العمليات الهجومية بانتظار نتائج المفاوضات السياسية، وثمة ميل واضح عند رئيس الأركان غابي اشكينازي ومن خلفه وزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني لإنهاء العملية الآن، في مقابل اصرار رئيس الحكومة إيهود أولمرت على الذهاب الى الحد الأقصى، ويجاريه في الأمر قائد المنطقة الجنوبية يوآف غالانت، الذي يتحدث عن الفرصة الذهبية التي تأتي مرة واحدة، والذي يدعو الى جعله يدخل مع عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الى داخل القطاع واحتلاله، على قاعدة أن سقوط خسائر لا يمثل شيئاً أمام المقابل المتوقع في الإجهاز كلياً على قوى المقاومة، وفي مقدمها «حماس».

مطالب إسرائيل من مصر أولاً

في القاهرة، تجري مفاوضات متعددة الأطراف، عنوانها الرئيسي مباحثات بين وفد من «حماس» ورئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان. لكن الجميع يعرف ان هناك آخرين على الطاولة، من جهة هناك سوريا وإيران وحزب الله، ومن جهة ثانية هناك تل أبيب وواشنطن وعواصم اوروبية أبرزها برلين. والمساعي لا تقوم فقط باتجاه اقناع «حماس» بالتنازل وقبول الشروط الاسرائيلية على أنها مبادرة مصرية، بل ان الحديث الأقوى يجري مع القاهرة نفسها، التي بدأت تشعر الآن بأن ثمن تحقيق رغبتها في الإجهاز على الحركة الإسلامية، هو تحمل مسؤولية مباشرة عن الوضع في القطاع.
ويعرف عمر سليمان ان عاموس جلعاد لا يثق بأي فلسطيني، ولا بأي عربي، ولا يثق بالمصريين قبل غيرهم، ولذلك لن يسمع جلعاد ـــ وهكذا قيل له ـــ كلاماً عن دور السلطة الفلسطينية في غزة، ولا عن شراكة في تحمّل مسؤولية المعابر. هو يريد ان يسمع تعهداً مصرياً واضحاً بتولي أمر الحدود وبذل كل الجهود لمنع عمليات التهريب اللاحقة. وهو لذلك لا يكتفي بقبول مصري عام، بل يريد اتفاقاً يتضمن شراكة اميركية ـــ اوروبية في التنفيذ، كما يريد ان يرى سيارات عليها أعلام اوروبية تجوب جانبي الحدود عند فيلادلفي، وأن يرى آليات وجنوداً من سلاح الهندسة في الجيش الأميركي يقومون بأعمال البحث والتنقيب عن الأنفاق، وأن يقرأ يومياً تقارير عن تعاون استخباري في ملاحقة من يقدم العون للمقاومة في سيناء وحتى داخل الجيش المصري، وتقارير أخرى بتوقيع اميركي ـــــ أوروبي عن أعمال رقابة تجري في مناطق بعيدة عن المواجهة. وهذا ما يتطلب من المصريين تقديم التزامات ليسوا في موقع القادر على ضمانها.
وواضح ان جلعاد يحمل معه دائماً المطلب الرئيسي المتمثل بمنع إعادة تعاظم «حماس» من خلال تهريب السلاح الى القطاع. وهو كلام لم يعد يقال في الأقنية الدبلوماسية فقط، بل ان ايهود اولمرت، الذي لم تتح حرب لبنان له فرصة الظهور بموقع القوي، جمع رؤساء السلطات المحلية في عسقلان، وقال لهم بلغة أراداها حازمة: «شرطان لوقف الحرب: وقف نار القسام من القطاع، ووقف التهريب وتعاظم حماس».
وحسبما ينقل الاسرائيليون في وسائل إعلامهم عن السياسيين عندهم، فإن في مصر تراجعاً عن الرفض المطلق لوجود قوات دولية على الارض المصرية، وتراجعاً عن الرفض المطلق لدور مصري في تحمّل مسؤولية إضافية عن المعابر ومنع التهريب. ويقولون في اسرائيل ان سليمان بدا في الجولة الثالثة من المفاوضات أقل تعصباً وأعطى اشارات عملية «لقبول خبراء من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، إلى جانب معدات تكنولوجية للعثور على الأنفاق وتدميرها. ومن أجل عدم المساس بسيادتهم، فإن المصريين معنيون بأن يعرّفوا المهندسين الأجانب كمرشدين لا كمراقبين». وكذلك، قالوا في اسرائيل إن سليمان اقترح «توسيع قوة المراقبين من الاتحاد الاوروبي، التي كانت ترابط في الماضي في معبر رفح، بحيث تشرف على محور فيلادلفي من الجانب الفلسطيني، وتنقل التقارير عن وضع الأنفاق والنشاط ضدها. اضافة الى ذلك، ستفعّل القوة من جديد معبر رفح الى جانب قوات محمود عباس حسب اتفاق 2005».

مثلث الميدان والمفاوضات والانتخابات

في غضون ذلك، يبدو ان المقبل من الساعات والأيام رهن بحدث يكسر مثلث المراوحة القائم؛ المفاوضات لم تقترب من لحظة الحسم الحقيقية، والتباين او النقاش في اسرائيل لم يحسم مبدأ الذهاب الى الحد الاقصى من العمل البري المجنون، والمقاومة لم تحدث الصدمة التي تقلب الطاولة.
وإذا كان الخطاب السياسي لكل المعنيين بخيار المقاومة لا يطالبها بأكثر من الصمود وعدم القبول بشروط العدو، فإنه لم يكن أحد ينتظر أن تمنع المقاومة قوات الاحتلال من العودة الى كل القطاع. بل على العكس، فإن الجميع يعرف أن حزب الله في لبنان، الذي يملك قدرات وظروفاً موضوعية وذاتية تتجاوز قدرات المقاومة في فلسطين بعشرات المرات، لم يكن يضع أمام مجاهديه مهمة منع دخول قوات الاحتلال. كان الهدف يتركز على إعاقة التقدم وعلى تحميل الداخلين ثمن هذه المغامرة. وبالتالي، فلا احد يريد من المقاومة في فلسطين اليوم اكثر مما تقوم به، لكن قيادة المقاومة نفسها، في غزة وفي خارجها، تبحث عن آليات من نوع مختلف لمواجهة الوضع القائم الان في القطاع، داخل المدن او عند غلاف القطاع وأطرافه. وهذا النوع المختلف له عنوان واحد، وهو عمل نوعي ضد قوات الاحتلال، يشعرها بأن المغامرة لها اثمان تتجاوز قدرة العدو على التحمل، وتفرض واقعاً سياسياً على المفاوض لناحية ان الميدان له تأثيره الحاسم على المسار السياسي.
والمقاومة تدرك قبل غيرها ان البحث الآن يجري عن مخرج فعلي لاسرائيل. جيش الاحتلال يريد صورة مرتاحة تعفيه من ذل لبنان، والقيادة السياسية الإسرائيلية تريد التوجه سريعاً الى الانتخابات بتوازن اختل منذ عدوان تموز. لكن الكلام عن وقف التهريب يبدو في الحقيقة اقرب الى لعبة احجية، اذ انه قبل انسحاب قوات الاحتلال من غزة، كان هناك آلاف الجنود الاسرائيليين الذين ينتشرون عند كل الحدود البرية والبحرية للقطاع مع مصر. وكان هؤلاء مزودين بكل ما يحتاجون إليه من آليات وتكنولوجيا وشعبة استخبارات خاصة، وكان التعاون مع مصر قائماً، وكان هناك عملاء داخل القطاع، وكانت هناك اجهزة بأمها وأبيها تتبع لسلطة محمود عباس ومحمد دحلان تنسّق معهم ليل نهار، ومع ذلك فإن كل ذلك لم يمنع دخول أطنان من المتفجرات الى القطاع، ولم يمنع دخول صواريخ وأسلحة متوسطة وخفيفة، ولم يمنع خروج المئات من الكوادر والمقاتلين ودخول «أغراب» الى القطاع، بلغة جماعة دحلان. وبالتالي، فإن أي إجراءات يتخذه الآن او لاحقاً العدو ومعه كل جيوش العالم لن تنفع في منع ايصال الحاجات العسكرية واللوجستية لقوى المقاومة داخل القطاع. ولذلك، فإن الضغط الفعلي له عنوان هو التهريب، ولكن هدفه الفعلي هو انهاء المقاومة داخل القطاع.
ولأن قادة العدو، ومعهم قادة اجهزة العالم الامنية والعسكرية، يعرفون ان وقف الامداد مستحيل، فهم يريدون تعطيل العنوان الذي يفترض ان تصل إليه الاسلحة، أي إلغاء هذا العنوان، ولذلك فإن النقاش الفعلي يقوم الآن بين المصريين و«حماس» على طريقة ادارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب. وهكذا، فإن مصر ليست معنية بالعودة بالطريقة التي تريدها اسرائيل، بل بالطريقة التي تناسب حاكم مصر، الذي يريد ان ينصّب في غزة حاكماً لا تفوق صلاحياته محافظ سيناء. وهو يريد ابقاء القطاع في حاله الراهنة، سجناً كبيراً لمئات الألوف من العمال الذي يخدمون لدى الاحتلال، ولا يملكون حق البحث عن حقهم الفعلي في الحياة.

جديد المصريين وجديد «حماس»

وبالنسبة إلى مسار التفاوض القائم الآن في القاهرة، فإن المعلومات الواردة تفيد بأن الاتصالات قائمة على محورين: الاول مصري ـــــ اسرائيلي ـــــ اوروبي يتعلق بملف الحدود ومنع استمرار تدفق السلاح الى غزة بعد توقف العدوان. والثاني مصري ـــــ فلسطيني يتعلق بالخطوات والآليات الواجب اتخاذها لإنجاز وقف دائم لإطلاق النار.
في المحور الاول، يسعى الاسرائيليون للحصول على موافقة مصرية على برنامج تتولى جهات اوروبية تنفيذه، فيما يجري الضغط في المحور الثاني للقبول بحل متدرج، اساسه اعلان وقف لاطلاق النار على شكل هدنة ذات طابع انساني. هدنة تمتد لايام، على اساس ألا يجري خلالها تعديل الوقائع الميدانية، ما يعني انها مؤقتة وقصيرة لا تلزم اسرائيل بالانسحاب الفوري من القطاع. في المقابل، يسعى الاخرون من خلال هذه الهدنة الى فرض وقائع انسانية وسياسية داخل القطاع، من خلال ابراز الجانب الانساني وإدخال اهل القطاع في موجة تخص ملف اعادة الاعمار وإزالة آثار العدوان، على امل ان تكون مناسبة لفرض تنازلات على المقاومة في ما خص الشروط الاخرى التي تتعلق بآليات ادارة القطاع في المرحلة اللاحقة. وهذه الهدنة تفرض فتحاً مؤقتاً للمعابر وخصوصاً معبر رفح الذي يصر الجانب المصري على حصره بأمور انسانية وبالتالي التحكم بكل ما يدخل الى القطاع، مع ما يستلزم ذلك من اجراءات خاصة عليه.
وقد ابلغ وفد «حماس» مساء أول من أمس ملاحظات الحركة الى سليمان، وأهم ما فيها رفض الهدنة المؤقتة الى جانب رفض الهدنة الدائمة والاصرار على تحديد جدول زمني متزامن لوقف اطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية بالاضافة الى تثبيت رفض وجود قوات دولية او مراقبين دوليين على الجانب الفلسطيني من الحدود. وبدا ان سليمان لا يملك جواباً حاسماً فطلب وقتاً للتشاور، واعتذر عن اجتماع كان مقرراً صباح امس لأنه سافر مع الرئيس حسني مبارك الى السعودية. وتم الاتفاق على اجتماع آخر يفترض انه بدأ العاشرة من مساء امس، علماً بأن المناخات السائدة لا توحي بإمكان حصول اتفاق، خصوصاً ان هناك من يريد «أي اتفاق» قبل يوم الجمعة لإبطال مفعول قمة الدوحة، التي تفيد المعلومات بأنها «ستُعقد بمن حضر» وأنها «تتجه صوب مقررات، لا مجرد بيانات، من أجل فرضها على جدول الاجتماع التشاوري الذي سيعقده القادة العرب على هامش القمة الاقتصادية في الكويت السبت».


هل من تعهّد خاص قدّمه أوباما؟ووفقاً للمصدر الدبلوماسي، فإن ادارة الرئيس الأميركي المنتخب باراك اوباما ستكون «حريصة على متابعة الملف النووي الإيراني بجدية، وخلافاً لما يظنه القلقين من العرب، سوف تسعى الى تعزيز علاقاتها مع الانظمة العربية وتثبيتها، لا مع إيران وسوريا».