strong>الاحتلال ينسحب من تل الهوا ويحرق المنازل والمستشفيات ويعترف بخمس إصاباتها هي إسرائيل تنتقم من نفسها. تتفنّن في جرائمها. تنتهك الأراضي المدمرة، والغزاويين المشرّدين. أمس كانت غزة صامدة. ودّعت وزير داخليتها سعيد صيام، ولم تخشَ طائرات الاحتلال. وصرخت مستغيثة ومقاومة

غزة ـ قيس صفدي
كان يوم أمس حزيناً. شيّع قطاع غزة القيادي في حركة «حماس»، سعيد صيام. خفت وتيرة الغارات الجوية والقذائف المدفعية. إلّا أن الحرب الإسرائيلية التي نضجت يوماً، وبلغت الرقم الواحد والعشرين، لم تعلّق جرائمها وفتكها بالمدنيين.
ورغم تحليق الطائرات الإسرائيلية، شاركت حشود من أنصار «حماس»، بعد ظهر أمس، في مسيرة تشييع صيام، وابنه محمد، وشقيقه إياد وزوجته وابنه، الذين قضوا في غارة جوية نفذتها طائرة حربية إسرائيلية من طراز «إف 16»، مساء أول من أمس في حي اليرموك في مدينة غزة.
وانطلق موكب التشييع، بمشاركة ثلة من قادة فصائل العمل الوطني والإسلامي، من مستشفى الشفاء في المدينة نحو منزله في حي الشيخ رضوان، قبل الصلاة عليه ومواراته في الثرى في مقبرة الشيخ رضوان. وخيمت أجواء الغضب والحزن الشديدين على المشيّعين، الذين صدحت حناجرهم بالمطالبة بالانتقام لدماء صيام، الذي يعدّ أرفع مسؤول في «حماس» يطاله الاحتلال منذ بدء الحرب على غزة.
ونعت حكومة «حماس» برئاسة إسماعيل هنية، الوزير صيام، وقالت في بيان لها إنه «رجل من أنبل وأعز الرجال، ارتقى إلى العلى وهو يمارس دوره الوطني الذي يمليه عليه الواجب. تفانى حتى اللحظة الأخيرة من عمره في حفظ هذا الوطن وأهله، وسهر على أمنهم وحمايتهم». وشددت على أن «هذه الجريمة الجديدة التي اقترفتها آلة الحرب الصهيونية لن تفتّ من عضد شعبنا ولن تدفعنا إلى رفع راية الاستسلام».
في هذا الوقت، ومع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة يومها الواحد والعشرين، استمرت جرائم القتل والفتك بالمدنيين براً وجواً وبحراً، قبل انسحاب قوات الاحتلال من حي تل الهوا في مدينة غزة بعد عملية توغل استمرت لساعات، مخلفة وراءها دماراً واسعاً في عشرات المنازل السكنية والبنية التحتية.
وأعادت قوات الاحتلال تمركزها في محيط مستوطنة «نتساريم» جنوب مدينة غزة، بعد نحو 24 ساعة من التوغل في حي تل الهوا الساحلي. ساعات قليلة قضاها الحي تحت الاحتلال. لم يعد كما كان. منازل محترقة ومدمرة، وشوارع نالت منها الدبابات وحولتها إلى «طرق وعرة». حتى مستشفى القدس الوحيد في الحي، لم يسلم من «عبث» المحتل وقذائف مدفعيته.
في ذاكرة سكان الحي الكثير من الحكايا المرعبة. قضوا ساعات تحت احتلال مارس ضدهم الرعب والإرهاب، واعتقل عدداً منهم، واستخدمهم دروعاً بشرية. اقتحم جنود الاحتلال المنازل والشقق السكنية، عاثوا فيها فساداً، حطموا أثاثها، واعتقلوا من اشتبهوا بعلاقته بالمقاومة أو مساندتها.
لم تكتف إسرائيل بذلك، بل وصلت جرائمها إلى المرضى داخل المستشفيات، خلال ساعات احتلالها لحي تل الهوا، بحسب سكان المنطقة. وقال محمد عنتر، الذي لجأ مع أسرته والمئات من سكان الحي إلى مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني للاحتماء من حمم القذائف الإسرائيلية، إن «مدفعية الاحتلال استهدفت مراراً المستشفى بالقذائف، ما أدى إلى اندلاع النار فيه». وأضاف إن «حالاً من الرعب والفوضى سيطرت على مئات المرضى والمحتمين في المستشفى، بفعل امتداد النيران».
وقطع المئات من السكان، وعدد من المرضى، مسافة تتجاوز ثلاثة كيلومترات سيراً على الأقدام، وهم يعانون البرد القارس، تتقدمهم سيارات الصليب الأحمر والإسعاف. وعثروا على 23 جثة لشهداء ارتقوا في المعارك التي شهدها الحي بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال، وذلك خلال هدنة استمرت أربع ساعات.
وقالت مصادر طبية فلسطينية إن حصيلة شهداء الحرب الإسرائيلية ارتفعت إلى اكثر من 1170 شهيداً، بينهم 368 طفلاً ونحو 105 نساء، بينما تجاوز عدد الجرحى أكثر من 5220 جريحاً نصفهم من الأطفال والنساء.
واستشهد الطفل عيسى أرميلات (14 عاماً)، وأصيب ستة آخرون، في غارة جوية شنتها طائرة حربية إسرائيلية في سوق النجمة في مخيم الشابورة للاجئين، في مدينة رفح، جنوب القطاع.
وأعلنت مصادر طبية في مستشفى كمال عدوان استشهاد طفلة في السادسة من عمرها، وإصابة طفلين آخرين، جراء سقوط قذيفة مدفعية على مجموعة من الأطفال في جباليا، شمال القطاع.
وأعلنت ألوية الناصر صلاح الدين استشهاد ثلاثة من مقاوميها، هم: عبد الرحمن الصوري، ومحمد عيسى الشرافي، وأمير أبو ريالة، في غارة شنتها طائرة استطلاع إسرائيلية من دون طيار ضدهم في مدينة غزة. وقالت كتائب المقاومة الوطنية، الذراع العسكرية للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، إن «قائدها الميداني حمودة ثابت استشهد في قصف استهدف مجموعة من المقاومين في حي النصر شرق مدينة رفح».
وتصدت المقاومة الفلسطينية لعملية توغل محدودة لقوات الاحتلال في محيط معبر صوفا، شمال مدينة رفح.
وللمرة الثالثة منذ بدء الحرب، أغارت طائرة حربية إسرائيلية على مقر الشرطة الرئيسي في مدينة خان يونس، المدمر أصلاً، ما ألحق دماراً كبيراً بمقر الرعاية الصحية الأولية المجاور لمقر الشرطة.
في المقابل، اعترفت مصادر في دولة الاحتلال بإصابة خمسة جنود إسرائيليين في المعارك والاشتباكات مع المقاومة الفلسطينية في غزة. كما أفادت الإذاعة الإسرائيلية عن سقوط أكثر من 14 صاروخاً على مدن عسقلان وأسدود والنقب الغربي وسديروت.
إلى ذلك، قال مسؤولون من منظمة أطباء بلا حدود، إن «المنظمة لا يمكنها الوصول للمرضى والجرحى المدنيين في غزة بسبب القصف الإسرائيلي، وقد تضطر إلى الانسحاب».