مواجهة مرتقبة الاثنين في الكويت وسليمان بدا «هزيل الحضور والخطاب»■ إسرائيل تستعدّ لوقف أحادي لإطلاق النار مستندة إلى قوّة «الردع»
■ اتفاقان بين تل أبيب وواشنطن والقاهرة لمنع تسليح المقاومة وإدارة المعابر

جاءت قمة الدوحة غير المكتملة لتكرّس الانقسام العربي حيال مشروع المقاومة، لكنها أعطت إشارة حياة بالنسبة إلى غالبية الرأي العام المستمر في انتفاضته التضامنية مع مقاومة غزة، وربما تسهم في قرار إسرائيلي مرتقب بوقف العدوان

إبراهيم الأمين
منذ ما قبل بدء إسرائيل عدوانها المجنون على قطاع غزة، كانت الدوائر الرسمية على مستوى النظام العربي تعيش حالة من الارتباك تعكس التباين الكبير في النظرة إلى مستقبل المنطقة ربطاً بالصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. لكن فجيعة غزة دفعت بهذا الارتباك إلى مستوى أعلى من الانقسام الذي ما لبث تحت ضغط الهمجية الإسرائيلية من جهة، وضغط الشارع من جهة ثانية، وصمود المقاومة في غزة من جهة ثالثة أن تكرس على شكل كتلتين؛ واحدة ثبتت موقفها في قمة الدوحة أمس، وثانية تسعى إلى انتصار إعلامي تودّ لو تقطفه في قمة الكويت الاقتصادية الاثنين.
وبين الخطاب المواجه الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد، وخطاب المقاومة الأول من نوعه في تاريخ لقاءات القادة العرب الذي ألقاه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، وما اتخذ من مقررات، بدا واضحاً أن العالم العربي متجه إلى مرحلة سوف تتضاءل فيها اللياقات والتسويات والمجاملات الشكلية، وسوف تشهد البلدان العربية، على مستويات سياسية وإعلامية وحتى اقتصادية، حملة من المواجهات التي قد لا تنتهي في وقت قريب. لكن الأهم من كل ذلك هو أن ملف الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي دخل مرحلة جديدة، وبدل أن تنجح إسرائيل في استثمار دمويتها «كيّاً للوعي» الفلسطيني، فإن لقاء الدوحة مثّل رافعة لتيار المقاومة التي باتت الآن جزءاً واضحاً من أدوات العمل، حتى لدى الأنظمة والحكومات، وهو أمر سيلقي بظلاله على العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة وسيكون له تأثيره على الوضع داخل العراق، أكبر البلدان العربية الواقعة تحت الاحتلال الأميركي.
وفي انتظار تبيّن نوع المواجهة المفترضة في لقاء الكويت الاثنين بين الكتلتين العربيتين، فإن نتائج لقاء الدوحة وفّرت الخلاصة التي توصل إليها قادة العدو أمس، من أنه لا مجال لاستثمار سياسي إضافي لعمليات القتل الجماعية القائمة، وهو الأمر الذي جعل كل إسرائيل تعيش منذ منتصف الليلة ما قبل الماضية في أجواء إعلان مرتقب الليلة يقضي بإعلان انتهاء العدوان، وفق آلية ليست واضحة، وإن كان المصريون وجّهوا دعوة عاجلة إلى وفد حركة «حماس» للحديث عن تفاصيل إجرائية، علماً بأن قيادة المقاومة في غزة، ستعلن موقفها في ضوء الخطوات الإجرائية التي ستقوم بها قوات الاحتلال. وإذا لم يحصل انسحاب شامل وسريع جداً، فإن العمليات ضد قوات الاحتلال ستستمر، فيما يبدو أن إسرائيل أرغمت مصر، بواسطة الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة، على القبول ببرنامج عمل أمني ـــــ تقني لمواجهة عملية مد المقاومة في غزة بالسلاح.
وبينما يسعى بعض العرب إلى تغطية تورّطهم في العدوان، مشاركة أو تغطية أو صمتاً، من خلال حملة «إغاثة» للقطاع، فإن مشروع إعادة إعمار ما هدّمته الحرب، سوف يكون ترجمة أولى للنتائج السياسية والشعبية للحرب على غزة، وخصوصاً أن إسرائيل باشرت خطة عمل تستهدف ربط المساعدات ووصولها بدور مركزي لسلطة محمود عباس، الذي كان أمس عنوان «العار» بغيابه عن قمة الدوحة نزولاً عند رغبات إسرائيل ومصر والسعودية. وبدا واضحاً أن الذين اجتمعوا في الدوحة أمس، قرروا اعتماد استراتيجية دعم لإعادة الإعمار تطبَّق مباشرة في القطاع، لا عبر سلطة رام الله، فيما سيكون العالم العربي أمام موجة من تصفية الحسابات بطريقة أكثر حدّة من تلك التي شهدها لبنان بعد عدوان تموز عام 2006. (تغطية شاملة لقمة الدوحة على الصفحات 3-4-5-6-7).
أما ما يخص لبنان من هذا اللقاء، فإن الخطاب الذي ألقاه الرئيس ميشال سليمان بدا خارج السياق، وقدم صورة لا تشبه صورة لبنان الذي قاوم إسرائيل وهزمها مرات عديدة، ولا تحصّن لبنان المعرّض لتهديدات ولاحتمال قيام الدولة العبرية بمغامرة جديدة. وبدا حضور سليمان وكأنه «إلزامي»، وهو استخدم عبارات تشي برغبته في تفادي «غضب عواصم عربية وغربية وقوى 14 آذار في لبنان»، ما اضطرّ أمير قطر إلى تذكيره بمجد لبنان وبدوره الشخصي في مقاومة إسرائيل.

إسرائيل والحل الأحادي

في غضون ذلك، واصلت قوات الاحتلال عدوانها على القطاع. ومع أن نهار أمس شهد عمليات أقل حدّة من السابق، إلا أن القصف أوقع مزيداً من الشهداء والجرحى، فيما واصلت المقاومة قصف مستعمرات جنوب القطاع وشماله بصواريخ «غراد» وأخرى محلية الصنع، إلى جانب عمليات فدائية.
وفي ختام الأسبوع الثالث للعدوان، ظهرت بوادر نهايته التي أجمعت التقارير الإسرائيلية على اقترابها، مرجّحة أن يكون في غضون الساعات الثماني والأربعين المقبلة. وأفادت تقارير عبرية عن حصول «تقدّم جوهري» في المباحثات الجارية مع القاهرة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وسط حديث إسرائيل عن قمة ثلاثية ستعقد غداً الأحد في القاهرة، بدعوة من الرئيس المصري حسني مبارك، وتضم إليه كلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للتوقيع على تفاهم لوقف النار يتجاوز «حماس»، علماً بأن وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط نفى علمه بها.
ويبدو أن الأمور تتجه نحو تبنّي إسرائيل خطوة أحادية توقف بموجبها عدوانها على القطاع من طرف واحد وتعلن احتفاظها بـ«حق الرد» على أي «اعتداء» ينفذ ضدها، وحق التحرك لإجهاض عمليات تهريب الأسلحة إلى داخل القطاع، برغم الاتفاقية التي وقّعتها أمس مع واشنطن بهذا الشأن، وهو الأمر الذي سيتقرر في جلسة المجلس الوزاري المصغر مساء اليوم وبالاستناد «إلى اتفاقين لمنع تهريب الأسلحة مع كل من مصر والولايات المتحدة».
وكان الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة، الذي ضمّ المستشارين عاموس جلعاد وشالوم تورجمان، قد عاد عصر أمس بحصيلة اجتماعات رئيس الاستخبارات المصرية، عمر سليمان، مع حركة «حماس»، ووضعاه في صورة مخطط الشروط الإسرائيلية لوقف النار الذي أقره المطبخ الأمني الإسرائيلي في جلسته المطولة ليل الخميس ـــــ الجمعة. ونقلت «هآرتس» عن مصدر إسرائيلي أن سليمان أبلغ الوفد الإسرائيلي أن «حماس ردّت مصر خالية الوفاض». وادعى المصدر نفسه أن قيادتيْ الحركة في غزة والخارج لم تتوصلا إلى اتفاق بشأن إنهاء القتال، ولذلك تعذر إنجاز اتفاق بين الحركة والمصريين، مشيراً إلى أن معظم المحادثات في القاهرة تركزت، على موضوع المعالجة المصرية لتهريب السلاح إلى قطاع غزة.
وأوضح المصدر نفسه أن الاتصالات تتجه نحو بلورة تفاهم ثنائي حول:
ـــــ معالجة التهريب: وفي هذا الإطار، قدمت تل أبيب إلى القاهرة ورقة عمل أعدّتها وزارتا الدفاع والخارجية الإسرائيليتان وتتمحور حول إنشاء جهاز لمكافحة التهريب، تدمج بين مجموعة عناصر أهمها تفعيل تقنيات حديثة في محور فيلادلفي، ومطاردة المهربين في منطقة رفح، والاستعانة بخبرات غربية لكشف الأنفاق.
ـــــ التنسيق بين القاهرة وتل أبيب بشأن مواصلة التعامل مع مسألة قطاع غزة في إطار المصالح المشتركة من دون تدخل «حماس».
وبدا المعلقون الإسرائيليون مجمعين أمس على أن اتفاق مكافحة التهريب الذي وقّعته وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، مع نظيرتها الأميركية كوندوليزا رايس، في واشنطن أمس، ومذكرة التفاهم الإسرائيلية ـــــ المصرية التي يمكن أن توقع الأحد في القاهرة، ستشكلان بالنسبة لتل أبيب الغطاء السياسي الذي يتيح لها إعلان وقف العدوان من جانب واحد بعدما حال تصلب المقاومة الفلسطينية في مواقفها دون إبرام اتفاق تهدئة جديد بشروط إسرائيلية، كما كانت تطمح الدولة العبرية، أو على الأقل وزير حربها إيهود باراك.

الآلية: وقف الحرب مع انسحاب أم لا؟

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان وقف النار الأحادي إسرائيلياً سيتضمّن بقاء قوات الاحتلال في الأماكن التي تتموضع فيها داخل قطاع غزة، أم ستنسحب في وقت لاحق، وما إذا كان الانسحاب سيربط بشروط محددة. أما في ما يتصل بقضية المعابر، فقد نقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول حكومي إسرائيلي قوله إن «إسرائيل سترفض أي شيء آخر غير نشر قوات من السلطة الفلسطينية عند رفح في إطار اتفاق 2005»، الذي نص على انتشار قوات مصرية ومن السلطة الفلسطينية لحراسة المعبر مع وجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وتجهيز المعبر بكاميرات آنية.
وكان المطبخ الأمني الإسرائيلي، الذي يضم كلاً من أولمرت وباراك وليفني، قد عقد اجتماعا ليل الخميس ـــــ الجمعة استمع فيه إلى تقرير من جلعاد عن مباحثاته مع المصريين. ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أولمرت قوله، في ختام الاجتماع، إن «إسرائيل ستواصل استيضاحاتها بشأن تفاصيل التسوية السياسية مع مصر، وليس بأي شكل من الأشكال مع حماس»، مشدداً على أن هذه التفاصيل تتركز على «وقف الإرهاب ووقف تسلح حماس».
وتقرر في الاجتماع إيفاد جلعاد مرة ثانية إلى القاهرة للحصول على أجوبة إضافية بهذا الخصوص، وهو ما حصل أمس. وفي أعقاب عودة الوفد الإسرائيلي إلى تل أبيب أمس واجتماعه بأولمرت وباراك، أصدر مكتب رئاسة الوزراء بياناً تحدث عن «تقدم جوهري في المحادثات مع مدير الاستخبارات المصرية»، مشيراً إلى أن «رئيس الحكومة ووزير الدفاع سيجريان في نهاية الأسبوع مشاورات تتعلق بالمخطط الذي اقترحه (المصريون)، وبناءً على ذلك هناك نية لدعوة المجلس الوزاري الأمني المصغر إلى الانعقاد وبحث المسألة بعد خروج السبت».
وفي الإطار نفسه، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر فلسطينية قولها إن وقف النار سيبدأ في غضون الساعات الـ72 المقبلة ومن المتوقع أن يكون لمدة أسبوع أو أسبوعين سيجري البحث خلالها في قضية سحب القوات الإسرائيلية من القطاع، معربة عن تقديراتها بأن ذلك سيكون سريعاً. وأشارت المصادر نفسها إلى أنه تم الاتفاق مع المصريين على آلية لمكافحة التهريب وفتح المعابر وإنهاء الحصار من دون توضح ماهيتها.