تبدأ في الكويت اليوم قمّة اقتصاديّة تعدّ الأولى من نوعها على صعيد العالم العربي، في الوقت الذي تزداد فيه التحدّيات الاقتصادية والمالية التي تفرضها الأزمة العالمية، وخصوصاً على البلدان العربيّة النفطية، فأزمة الائتمان كبدت العرب خسارة بلغت 2,5 تريليون دولار خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط
حسن شقراني
تستضيف الكويت اليوم قمّة اقتصاديّة تجمع زعماء الدول العربيّة تستمر يومين وتتمحور حول كيفية تمتين التعاون الاقتصادي والمالي بين البلدان العربية بعدما برهنت تجارب التعاون السابقة صعوبة المضي بآليّات التعاون، ويمكن التطرق هنا إلى اتفاقية التجار الحرّة بين العرب (GAFTA). وإذ تمثّل الأجواء السياسية مناخاً غير مشجع لعقد قمة من هذا النوع، تأتي العوامل الاقتصادية، والأرقام السلبية التي تعكس أداء الاقتصادات العربية وأسواقها المالية، لتمثّل ضغوطاً ضخمة على الزعماء المجتمعين الذين ييدو أنّهم سيضطرون إلى تحفيز النمو على الصعيد الوطني قبل التطرق إلى بلورة التعاون العربي، وخصوصاً أنّ حدّة انعكاسات الأزمة العالمية ستزداد خلال العام الجاري، في ظلّ التوقعات بأنّ التعافي لن يبدأ قبل عام 2010.
وإن كان التعافي في البلدان الصناعيّة والبلدان النامية الأخرى يعني مسائل أخرى مختلفة عن مسائل النهوض في البلدان العربية (نظراً لمعضلات متعلقة بهيكليات الإنتاج والتشكليات الاقتصادية الاجتماعية) فإن ما يعول عليه العرب، وتحديداً مالكو النفط بينهم، هو عودة أسعار الوقود الأحفوري إلى مستويات مربحة استراتيجياً بعدما تراجعت بنسبة تزيد عن 75 في المئة منذ تمّوز الماضي، لتنخفض عائدات البترودولار لبلد مثل السعودية من 1،3 مليار دولار إلى 320 مليون دولار يومياً!
وبدا خلال الفترة الأخيرة أنّ الأزمة المالية كبدت البلدان العربية خسائر ضخمة. وبحسب آخر الأرقام التي كشف عنها وزير الخارجية الكويتي، محمد الصباح، ونقلتها وكالة «فرانس برس»، فإن البلدان العربية الـ22 خسرت ما قيمته 2،5 تريليون دولار خلال الأشهر الأربع الماضية فقط.
هذه الخسارة التي نتجت من أزمة الائتمان أدّت، بحسب الوزير الكويتي نفسه، إلى إيقاف أو تأجيل حوالى 60 في المئة من مشاريع الاستثمار والتنمية في بلدان مجلس التعاون الخليجي الست (البحرين والسعودية والإمارات وقطر وعمان والكويت). وهي تؤدي، إلى جانب تراجع أسعار النفط بطريقة هستيرية بسبب الركود العالمي، إلى توليد بيئة اقتصادية صعبة جداً من أجل التنمية الوطنية، فكيف بالأحرى على الصعيد الإقليمي أو العربي؟
بعدما تبين أن الاستثمارات العربية في أسواق المال العالمية خسرت حوالى40 في المئة، تبرز أهمية العودة للتركيز على الأسواق الوطنية أو الإقليمية، لأن التعقيدات التي تحكم النظام المالي العالمي بخّرت بسهولة دولارات نفطية عادت من أرض العرب إلى مصدرها. ولكن هل ذلك ممكن؟
الوضع الاقتصادي في الوطن العربي يبدو معقدا جداً، وهي حال موجبات التعافي أيضاً. فأسواق المال الخليجية الهشة لا تزال آفاق عودة الربحية فيها مبهمة جداً. فعلى سبيل المثال، أدّت التوقّعات بأن أرباح الشركة السعودية العملاقة للصناعات الكيماوية، «سابك»، ستتقلّص تقلّصاً أقلّ من المتوقع (أقسى تراجع في الأرباح الفصلية منذ عام 2002)، إلى تراجع مؤشرات الأسهم الخليجية وتذبذبها في مرحلة عدم اليقين والتوقعات السوداوية. وانخفض بالتالي مؤشر «تداول» السعودي بنسبة 1،4 في المئة، فيما شهد مؤشر سوق دبي المالية، التي كانت الأكثر تضرراً العام الماضي بسبب أزمة الائتمان (خسارة قاربت الـ70 في المئة) تراجعاً بنسبة 4،8 في المئة.
وهذا الواقع يرصد في ظل تراجع سعر برميل النفط إلى دون مستوى الـ40 دولار المتوقع معدلاً للأسعار في عام 2009. فالسعر أغلق عند 36،51 دولاراً في جلسة التداول الجمعة الماضي في نيويورك، أي أقلّ بنسبة 11 في المئة مقارنةً بالمستوى الذي بدأ به الأسبوع.
من جهة أخرى، فإنّ ديون الشركات الخليجية يرجّح أن ترتفع ارتفاعاً جنونياً خلال العام الجاري، في ظلّ وصول نسبة العائد على بعض السندات إلى نحو 20 في المئة، وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة «مشرق كابيتال». فنشاط الائتمان في منطقة الخليج العربي قد تقلص تقلّصاً ملحوظاً واختنقت حركة القروض. ومثلاً، فإن الشركات الكبرى التابعة لحكومة الإمارات العربية المتحدة ترزح تحت ديون تبلغ 20 مليار دولار يجب أن تسدّد في عام 2009.
ومن هذا المنطلق تزداد التحديات أمام الجهود العربية لتمتين أواصر التعاون (المفقودة)، وتصعب النقاشات المطروحة في قمة الكويت التي تنتهي غداً، والتي تعد بحسب الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، الحدث العربي الأبرز في عام 2009.
التحذيرات تنتشر عالمياً من مخاطر الحمائية الاقتصادية في العولمة، وفي البلدان العربية فإن هذه الحمائية يبدو أنها إلى تزايد، وللمفارقة فإن البلدان الخليجية، (الشريان الحيوي لأموال الاستثمارات العربية) ركبت موجة العولمة من باب الخسارة الواسع.


سيطرة سياسية

تجمع القمة الاقتصادية في الكويت اليوم زعماء من 22 بلداً عربياً، ويعوّل عليها من أجل إطلاق آليات لتحفيز التعاون بين البلدان العربية على الصعيد الاقتصادي. ولكن الطموحات ضئيلة، إذ إنه من المتوقع أن تسيطر المسائل السياسية على المواضيع الاقتصادية والمالية. ويتوقع أن يسيطر على النقاش مواضيع تتمحور حول الإمكانات المتوافرة أمام القطاع الخاص وكيفية تطويرها، إضافة إلى كيفية إزالة العراقيل أمام الاستثمارات العربية للتنقل بينياً.