strong>الغزّاويّون ينعون بيوتهم ويخشون العودةتحت سماء غزّة، ظلّت الطائرات الإسرائيلية تحوم فوق وجوه العائلات، التي أخذت تسير في أرض فقدت الصلة بمعالمها، جرّاء حرب الـ 22 يوماً. اكتسى الدمار المدينة، فيما خاف الكثيرون العودة إلى بيوتهم، خشية غدر الاحتلال، الذي أردى شهيدين بعد إعلان وقف النار

غزة ـ الأخبار
جلست النسوة فوق ركام منازلهنّ، ينتحبن ويخفين وجوههنّ التي شبعت بالدموع. كان معظمهنّ غير قادرات على التعبير لوسائل الإعلام، التي انتشرت وسط أحزان الغزاويين. حاولت بعضهنّ لملمة متعلقاتهنّ من بين الأنقاض، ورحن يجمعنها في حقائب بلاستيكية.
مسكت إحداهنّ قلادة وقالت «هذا كل ما بقي». أما الأطفال، فسارعوا إلى إنقاذ حقائبهم المدرسية وكرّاساتهم الممزقة.
حتى في تلك اللحظات الحميمة، أبت الطائرات الإسرائيلية مغادرة مسرح مجازرها، فراحت تحلق في سماء غزة، فيما كان أهلها يبحثون عن ذاكرتهم، ويخشون من عبثية الاحتلال، وإن أعلن وقف إطلاق النار.
وقد تلى هذا الإعلان استشهاد الطفلة نغم المصري (8 أعوام)، وإصابة ثلاثة من أفراد أسرتها، في قصف إسرائيلي استهدف منازل سكنية في بلدة بيت حانون شمال القطاع. كما استشهد المزارع ماهر أبو رجلية ( 24 عاماً)، وأصيب والده بجروح متوسطة، عندما وجهت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيرانها باتجاه مزارعين ذهبوا لتفقد أراضيهم في بلدة القرارة شمال شرق مدينة خان يونس، جنوب القطاع.
وأصيبت مواطنة فلسطينية وطفلتها بجروح متوسطة، جراء إصابتهما بأعيرة نارية أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي باتجاه منازل سكنية في منطقة البورة في بلدة بيت حانون، شمال القطاع. وانتشلت فرق الإسعاف والطوارئ 95 جثة لشهداء من تحت أنقاض المنازل والمباني المدمرة، في المناطق التي انسحبت منها قوات الاحتلال.
وارتفعت حصيلة الشهداء خلال 22 يوماً من الحرب الإسرائيلية ضد غزة إلى 1310 شهداء، بينهم نحو 410 أطفال، ونحو 110 من النساء، بينما تجاوز عدد الجرحى 5450 جريحاً. وقال المدير العام للإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة، الطبيب معاوية حسنين، إن «معظم جثث الشهداء تعود لنساء وأطفال، تركتهم قوات الاحتلال ينزفون حتى الموت، ولم تسمح لسيارات الإسعاف بالوصول إليهم وانتشالهم منذ بضعة أيام».
وقال مسعفون إنهم انتشلوا جثث عائلة السموني، التي تعرضت لجريمة «إبادة إسرائيلية»، عندما جمعت قوات الاحتلال أكثر من 100 شخص من العائلة في منزل واحد، ومن ثم قصفتهم الطائرات الحربية بالصواريخ، ليستشهد أكثر من 30 شخصاً منهم.
وعقب إعلان وقت إطلاق النار، عاد آلاف الفلسطينيين إلى منازلهم التي هجروها هرباً من حمم القذائف والصواريخ الإسرائيلية، ليجدوا مناطقهم وكأنها تعرضت لـ«زلزال»، أدى إلى دمار في كل مكان.
ووسط الدمار الذي غيّر معالم غزة، وانبثاق الموت والأشلاء من تراكم مكوّنات المدينة بعضها فوق بعض، خشي الكثير على من بقي من عائلته، فقرروا اللاعودة. عبرت لطيفة غبن (56 عاماً) عن موقف الكثير من الفلسطينيين، حين قالت إنها «لن تعود إلى منزلها الذي أصيب بقذيفة دبابة في بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة، من دون اتفاق فلسطيني ـــــ إسرائيلي شامل لوقف النار».
وقالت لطيفة، وهي من سكان منطقة «الشيماء» في البلدة، «لن نعود إلى المنزل إذا لم يتفق الفلسطينيون والإسرائيليون ويوقفوا الحرب بالكامل». تقيم حالياً مع أبنائها وأحفادها في مدرسة تابعة لـ«الأونروا» في بيت لاهيا. تقول «منزلنا قصفه اليهود واستشهد ابني وأصيب زوجي في القصف. لن أعود إلى المنزل لأنني خائفة على أولادي الباقين وأولادهم من العودة للقصف». وتتابع «اليهود كذابون لا نثق بهم. يقولون هناك وقف إطلاق نار ويستمرون بالقصف».
أما يحيى كريم، فقد عاد إلى حي الزيتون في شرق مدينة غزة ليتفقد منزله، فإذا به يجده ركاماً بعدما أتت عليه بالكامل غارة جوية إسرائيلية، فيما بقيت أسرته في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين.
ويروي يحيى (54 عاماً) «جئت بعد الهدنة ووقف القصف، وكنت أنوي نقل عائلتي إلى المنزل. لكنني لم أجد بيتي. دمر تماماً بأثاثه وكل ما فيه»، ويضيف «لا مأوى لي بعد اليوم. هذه مجزرة ليس فقط ضد الناس بل أيضاً ضد البيوت والحجر والشجر. ندعو الله أن يهزم اليهود».
وإلى تل الهوى أيضاً، عاد جمعة نصر (62 عاماً)، الذي يسكن في جباليا حيث دمر منزله جزئياً جراء القصف المدفعي، ليتفقد محله التجاري الذي لحق به دمار كبير. إلا أنه أراد أن يثأر من الاحتلال ومجزرته، فبدأ على الفور بإصلاح الدمار، قائلاً «ما ذنب المحل والبيوت ليدمّروها. نحن نتطلع إلى اتفاق يرجع الأمن والهدوء، مللنا الحروب».
ووسط كل هذا الدمار والركام والصراخ والعويل، والشعور بالعجز أمام فقدان سنوات من البناء، أبى مصطفى الدبور (60 عاماً)، وهو أمام بقايا مسجد في جباليا دُمّر في غارة جوية إسرائيلية، إلا أن يؤكد انتصار «حماس».
وقبيل أن يبدأ الغزاويون اسكتشاف حجم الدمار، كانت قوات الاحتلال قد انسحبت فجر أمس، من أطراف أحياء الزيتون والشجاعية والتفاح والشعف في مدينة غزة، وجبل الكاشف وعزبة عبد ربه شرق مخيم جباليا، ومناطق العطاطرة والسلاطين في بلدة بيت لاهيا، شمال القطاع.
وتراجعت دبابات وآليات الاحتلال من محاور التوغل وأعادت تمركزها حول الحدود مع القطاع، بينما أبقت على تمركز الدبابات في مستوطنة نتساريم سابقاً، جنوب مدينة غزة، وواصلت قطع الطريق التي تربط بين شمال القطاع وجنوبه.