مهدي السيداستحوذ إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، وقف العدوان على قطاع غزة من جانب واحد، ومزاعمه إزاء تحقيق أهدافه، على اهتمام المعلقين الإسرائيليين، الذين آثروا بغالبيتهم العظمى تفنيد حقيقة هذه الادعاءات، من دون أن يعفوا أنفسهم من مشقة طرح بعض الأسئلة عن صحة الإنجازات الإسرائيلية المزعومة، مع التوقف خصوصاً عند مصير الجندي الإسرائيلي الأسير لدى «حماس» جلعاد شاليط.
وقال محرر الشؤون السياسية في «هآرتس»، ألوف بن، إنه «لم تحقّق كل الأهداف التي حدّدها المجلس الوزاري المصغر للعدوان على غزة»، مشيراً إلى «استمرار إطلاق القذائف والصواريخ حتى اللحظة الأخيرة، والأزمة الإنسانية في غزة، والغموض الذي يلف مصير شاليط». كما لمّح إلى أن مسألة «نشوء واقع أمني جديد في الجنوب، لن تتّضح قبل أسبوعين».
في المقابل، لفت بن إلى أنه «ممنوع تجاهل إنجازات حماس»، ليعترف بأن «الحركة حصلت، وإن بثمن باهظ من الدمار والقتل، على اعتراف بحكم الأمر الواقع من جانب المجتمع الدولي، وأن أحداً لا يشكك في استمرار سلطتها». والإنجاز الثاني لـ«حماس»، بحسب بن، «هو قدرتها على إطلاق النار على المدن الإسرائيلية رغم الضربات القاسية التي تلقتها من الجيش الإسرائيلي».
وقال بن إن «السؤال الرئيسي الذي سيُطرح عند التحقيقات وجردة الحساب بعد انتهاء العدوان، هو ما الذي حصلت عليه إسرائيل بسبب استمرار العدوان خلال الأسبوعين الأخيرين، ما دام قد تقرّر إنهاؤه بوقف إطلاق للنار من طرف واحد. وبعبارة أُخرى، هل الثمن الإنساني والسياسي والاقتصادي والقانوني لاستمرار الحرب لثلاثة أسابيع، كان مبرراً، أم أنه كان من الأفضل إنهاؤها قبل الآن؟».
بدوره، قال المعلق السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، روني شاكيد، إن «وقف إطلاق النار يعيد حماس إلى السلطة في غزة رغماً عن أنوف أولمرت ووزير الدفاع إيهود باراك، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، والرئيس المصري حسني مبارك». وأضاف إن «العلاقات بين إسرائيل وحماس ستعود إلى المربع الذي كانت فيه قبل الحرب»، معتبراً أن «الحرب عمقت الانقسام في العالم العربي، إلا أن حماس عززت شرعيتها في العالم العربي بل وفي تركيا أيضاً. كما عمقت الحرب الفجوة بين غزة ورام الله».
وفي السياق، قالت مراسلة الشؤون العربية في «يديعوت»، سيما كدمون، إنه «من المبكر تحديد ما إذا كانت أهداف الحملة قد تحققت كما أعلن أولمرت وباراك. ومن غير الواضح ما إذا كنا حقاً أمام واقع جديد في الجنوب. ولكن ستكون للسياسيين تحليلاتهم الخاصة». وأضافت إن «دعوة الليكود لمواصلة الحرب تسعى إلى تكوين وعي بأن الحملة فشلت في تحقيق أهدافها».
وتابعت كدمون «سنستمع قريباً إلى الليكود يتهم الحكومة بأنها خرجت إلى الحرب ولم تملك القوة والتصميم لإنهائها. فيما سيدافع كل من باراك وليفني عنها». وأضافت «رغم أن الحرب حسّنت صورة أولمرت، إلا أنّ ثمة مكاناً للاعتقاد بأنه كان يرغب في الخروج من هذه الحملة العسكرية بأكثر مما خرج به، كاستعادة جلعاد شاليط».
بدوره، تطرق المحرر الرئيسي في «يديعوت»، ناحوم برنيع، إلى بقاء شاليط في الأسر، قائلاً إنه «لا يوجد بيت في إسرائيل لم يرغب في أن يسمع بأنه في اليوم الذي يتوقف فيه النار، سيعاد شاليط إلى الديار. لشدة الأسف، لا سبيل لضمان حصول هذا». وأضاف «البشرى السيئة هي أن حماس لم تضعف بما فيه الكفاية كي تخفض الثمن. هذا هو التقدير الذي بلوره وزراء المطبخ السياسي استناداً إلى ما لديهم من مادة. البشرى الطيبة هي أن حماس ضعفت بما فيه الكفاية لتحث على إجراء المفاوضات، وإسرائيل تعززت بما فيه الكفاية كي تصمد أمام الثمن العالي. هذه الصدمة الوطنية يجب إنهاؤها».
وتطرق برنيع إلى المسّ بالمدنيين الفلسطينيين، فقال إن «المسألة التي تستوجب استيضاحاً هي أنه هل كان هناك استخدام مبالغ فيه للقوة في أثناء الحملة، وإذا كان كذلك، فلماذا؟»، مشيرا إلى أنه «بحسب النتائج، ثمة مجال للتخوف من أن هذه المرة بالغنا. وتنبع المبالغة من سببين: الأول هو الإحساس في القيادة بأن الاختبار الأعلى للحملة هو عدد المقاتلين القتلى في طرفنا. إذا قتل جنود، ستعتبر الحملة في إسرائيل فشلاً. أما الثانية، فهي أن المس بالمدنيين خلق ضغطاً على القيادة السياسية لحماس». وأضاف «عملياً، دارت الحملة بطريقة الدومينو: الجيش الإسرائيلي ضغط على المدنيين، هم ضغطوا على القيادة السياسية، هي ضغطت على القيادة العسكرية وعلى القيادة في دمشق».
وسار المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئل، في تحليلاته إلى إطلاق الصواريخ الفلسطينية ما بعد هذه الحرب، فرأى أنه «ابتداءً من اليوم، سيكون الأساس في كيفية الرد على نار صاروخ منفرد. لقد سبق أن فشلنا في هذا الاختبار ثلاث مرات على الأقل في الماضي. بعد الانسحاب من لبنان عام 2002، وفك الارتباط عن غزة عام 2005، واتفاق التهدئة عام 2008. في كل الحالات، تبيّن أن النشاط المعادي أدى في النهاية إلى تصعيد خطير».
وأكد هرئل أنه «سيكون من الصعب في إسرائيل تسويق التسوية لأنها لا تتضمن صفقة لإعادة شاليط». وأضاف «إذا كانت المعارك ستنتهي حقاً، فيمكن إسرائيل أن تسجل في مصلحتها عدة إنجازات: تحسين الردع، وضربة شديدة لحماس، والإحباط المؤقت لتهريب السلاح، وتجسيد حصانة الجبهة الداخلية». لكنه استدرك قائلاً إنه «قبل أن يسيطر تملق الجيش الإسرائيلي على جدول الأعمال العام، نشأت عدة ظواهر في القتال، أهمها المس بالأبرياء. والفارق بين غزة ولبنان ما يتطلب عدم استخلاص استنتاجات مغلوطة بالنسبة إلى شكل المواجهة التالية في لبنان، إذا ما اندلعت».
في السياق نفسه، رأى عاموس ريغف، في «إسرائيل اليوم»، أن «الجيش الإسرائيلي شن الحرب، وانتصر. لكن القيادة السياسية شنت الحملة وفوتت الفرصة»، مضيفاً إن «الاستنتاج الأساسي للجنة فينوغراد بالنسبة إلى نتائج حرب لبنان الثانية، تفويت كبير وخطير، صحيح أيضاً بالنسبة إلى حرب غزة».
وتوقف مراسل الشؤون العربية في «معاريف»، جاكي حوجي، عند صورة النصر المطلوبة لحسم المعركة، فقال إنه «في هذه المعارك، يعرف كل طرف قيمة صورة النصر، تلك اللحظة الساحقة التي ستنطبع في الذهن على مدى الأجيال». وأضاف إن «صورة النصر في معركة غزة هي مهمة مخيبة للآمال جداً بالنسبة إلى الإعلام الإسرائيلي». وأضاف إنه «في هذه الظروف، توجد صورة نصر واحدة ووحيدة يمكن إسرائيل أن تطلبها لنفسها، جلعاد شاليط».