برلين ــ غسان أبو حمدبقيت القيادة السورية في اليومين الماضيين محور الجهود الدبلوماسية التي تدور حول وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة؛ فبين زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى دمشق، ولقاء وزير الخارجية السورية وليد المعلم مع كبير مستشاري رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو، حملت المقابلة التي تنشرها مجلة «درشبيغل» اليوم مع الرئيس بشار الأسد، جملة من المواقف السورية المتصلة بالعدوان على غزة.
ورأى الأسد، في المقابلة، أن «القضاء على حماس، يعني القضاء على الشعب الفلسطيني بكامله»، مبرّراً عدم ممارسة نظامه ضغوطاً على الحركة الإسلامية لكي تنصاع للمطالب الدولية، بحقيقة أن «المشكلة الأساسية هي إسرائيل وحصارها على قطاع غزة وسكانه ومعابره». حصار وصفه بأنه «موت متواصل وبطيء»، بما أنّ الناس «لا يموتون فقط بسبب القنابل، بل أيضاً بسبب حرمانهم من الطعام والأدوية».
وأشار الأسد إلى أنّ «حماس» «لم تعد معزولة سياسياً»، كاشفاً عن أنّه «في الفترة الأخيرة، أجرى أكثر من سياسي أوروبي محادثات مع الحركة في دمشق بطريقة سرية وبعيداً عن الإعلام، ونحن نقدم المساعدة حيث نستطيع»، عازياً السبب إلى أنّ «الأوروبيين تعلموا من التجربة بأنه لا يمكن إلا التفاوض مع الجهة المعنية لوقف القتال».
وعلى هذا الصعيد، استذكر الأسد كيف اضطرّ الاحتلال بالإضافة إلى الأميركيين والأوروبيين إلى توقيع اتفاق مع حزب الله بعد عدوان تموز 2006، رغم أنهم ينظرون إلى المقاومة الإسلامية على أنها «حركة إرهابية».
وتعليقاً على اعتبار «درشبيغل» بأن «كل قذيفة تطلقها حماس (باتجاه المستوطنات) تؤدي إلى انتقام وردة فعل عسكرية إسرائيلية»، اعترف الرئيس السوري بأنّ هذه المعادلة «قد تبدو منطقية»، قبل أن يشير إلى أنّ «السياسة لا تستند إلى المنطق النظري»، مذكراً بأنّ «حماس المحاصرة التزمت باتفاق وقف إطلاق النار طوال ستة أشهر، بينما واصلت إسرائيل طوال هذه الفترة عملية محاصرة القطاع».
ورداً على استيضاح الصحيفة عن استضافة بلاده قيادة منظّمة تصنّفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنها «إرهابية»، سخر الأسد قائلاً «دائماً الكليشيهات والشعارات الأميركية، هذا هو الأسلوب الأميركي»، جازماً بأنه «سواء كانت حماس حركة إرهابية أو مقاومة شعبية، سواء أعجبتهم أو لا، فإنها قوة سياسية على الأرض لا يمكن تجاهلها». وذكّر بأن الانتخابات البرلمانية، التي تم الاعتراف بنتائجها دولياً، هي التي أعطت «حماس» الغالبية المطلقة، ليخلص إلى أنه «لا يجوز اعتبار الشعب بكامله إرهابياً». وتساءل «كيف يمكنهم اعتبار حماس إرهابية من دون اعتبار التصرفات الإسرائيلية إرهابية؟»، مجدداً انتقاده للصمت الأوروبي عن المجازر الإسرائيليّة.
وفي تبريره لاحتضان دمشق رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، بالرغم من تصنيفه على لوائح الإرهاب، أجرى الأسد مقارنة بين موقف سوريا من دولة إسرائيل، وموقف مشعل الذي «يعترف بحدود 1967، ويقبل بقيام دولتين». وتابع «نحن في سوريا لا نعترف بإسرائيل، وهي لا تزال دولة عدوة وتحتل قسماً من أرضنا، وفي حال انسحاب الإسرائيليين من الجولان سنعترف بهم».
وعن رؤيته للسلام، رأى الأسد أنه يجب على تل أبيب إقامة سلام «وليس فقط الحديث إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس»، مؤكداً أنّ «المطلوب وجود حماس في أي مباحثات سلام». وعن كيفية تحقيق الوحدة الفلسطينية الضرورية لإنجاز السلام، رفض الرئيس السوري ممارسات الضغوط على «حماس».
وعن قدرة الدولة العبرية على القضاء على «حماس»، أكد الأسد أنّه لن يتم القضاء على الحركة الإسلامية، وأنها «لن ترفع الأعلام البيضاء لأنها تملك ثقة شعبها، ومن يحاول القضاء عليها، يجب عليه القضاء على شعب بكامله».
في المقابل، رأى الأسد أنه من المستحيل منع تهريب الأسلحة منعاً كاملاً إلى قطاع غزّة، معتبراً أنّ الأتراك يستطيعون فرض الرقابة كطرف ثالث. ولاختيار تركيا سبب موجب بالنسبة للأسد، إذ إنها باتت «تملك الثقة من قبل جميع الأطراف وبإمكانها الضغط ولديها علاقات جيدة مع إسرائيل والعالم العربي».
أما بالنسبة للدور المصري في منع التهريب، فاعترف بأنّه كبير بسبب الحدود المصرية المشتركة مع غزة، لافتاً إلى إمكان أن تدخل فرنسا في هذه القضية أيضاً. وعن احتمال أن تؤدي ألمانيا دوراً في هذا الإطار، أوضح أنّ وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير، توجّه إلى المنطقة من دون زيارة دمشق، قبل أن يعود ويرحب به وبأي دور ألماني في غزة.
وفي إطار متصل بدور سوريا قي قضية غزة، وقبيل ساعات قليلة من توجهه إلى شرم الشيخ لحضور القمة الدولية، زار بان كي مون دمشق، حيث التقى الأسد. غير أنّه اختزل زيارته فألغى مؤتمراً صحافياً كان مقرراً أن يعقده في فندق «فورسيزنز» بعد ظهر أمس.
وبعد لقائه المسؤول الأممي الأرفع، علّق الأسد على قرار تل أبيب وقف إطلاق نار أحادي الجانب، بالتشديد على ضرورة أن يتزامن «مع انسحاب قواتها من كامل الأراضي التي احتلتها في القطاع ورفع الحصار نهائياً وفتح كل المعابر».
وجاء في بيان رئاسي سوري أنّ بان عبّر عن «تقديره للدور الإيجابي المهم الذي تقوم به سوريا في المنطقة»، وأنه تعهد بالقيام «بكل ما هو ممكن من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط وفق القرارات الدولية ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام».
بدوره، أجرى وزير الخارجية السوري وليد المعلم، مساء أول من أمس، محادثات مطولة مع داوود أوغلو، عرضت خلالها نتائج محادثات المسؤول التركي مع المسؤولين المصريين في القاهرة. ووفق ما أعلن بعد اللقاء، فقد تمّ البحث «في الأفكار المشتركة التي قدمتها سوريا وتركيا بهدف الوصول إلى تحقيق وقف فوري لإطلاق النار في غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية ورفع الحصار وفتح جميع المعابر».