أرنست خوريمعروف عن رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، حساباته الدقيقة لكل خطوة يقدم عليها. ولا شكّ أنه حين قال ما لم يقله سواه عن إسرائيل في عدوانها على قطاع غزّة، وحين دافع عن حركة «حماس»، كان يدرك تمام الإدراك أنه «يلعب بالنار»، ليس في علاقاته مع تل أبيب فحسب، بل أيضاً مع واشنطن التي ترتدي حلّتها الجديدة اليوم مع باراك أوباما.
توقّفت المجازر الإسرائيلية (مؤقّتاً؟) بحقّ الفلسطينيين في غزّة، وبدأ العد العكسي «ليوم الحساب» مع أردوغان. على الأقل، هذا ما توحي به أجواء بعض صنّاع القرار في واشنطن. آخر الإنذارات الجدية في هذا السياق، نَقَلَها مدير «برنامج مارشال»، يان ليسر، في مقابلة مع صحيفة «حرييت» التركية نشرتها أمس.
ويرى ليسر أنّ المصطلحات الجريئة التي استعملها أردوغان وأركان حزبه في انتقادهم «جرائم الحرب» الإسرائيلية و«مجازرها»، ومن ثمّ دعوة رئيس الحكومة إلى طرد الدولة العبرية من الأمم المتحدة، ودفاعه عن «حماس» ولقاؤه (هو أو مساعديه) بقادتها، واعتباره أن لا حلّ سلمياً ممكناً من دون إشراك الحركة الإسلامية فيه، كلها ستكون لها «تداعيات خطيرة» على وضعية تركيا وأردوغان وحكومته وحزبه.
وأشار ليسر إلى أنّ «همّاً كبيراً انتاب المسؤولين الأميركيين عند سماعهم خطابات أردوغان، لدى إدراكهم أنّ علاقات وطيدة تجمعه بقادة حماس». وبحسب ليسر، وهو بحسب «حرييت» أحد أبرز «صنّاع القرار» في الإدارات الأميركية المتعاقبة، فإنّ أردوغان «ذهب بعيداً جداً عن الإجماع الأطلسي بشأن التعاطي مع حماس»، وهو ما يعرّض موقعه وسيطاً دولياً، لمخاطر جدية.
ويقول مدير «برنامج مارشال» إنّه لا يجدر أبداً أن نظنّ أن حكّام واشنطن يضعون علاقات أنقرة بكل من دمشق وطهران من جهة، وبـ«حماس» من ناحية، في سلة واحدة. ويشرح «الخبير» الأميركي أنّه من وجهة نظر أميركية، كانت علاقات أنقرة بدمشق «مفيدة ومطلوبة»، أما علاقتها بطهران فهي «مفهومة ومقبولة»، لكن «حين يصل الحديث عن صلات مع حماس، فيصبح الموضوع إشكالية كبيرة».
وبحسب ليسر، فإن الخطر الحقيقي ينبع من أنّ صنّاع القرار الأميركي، يرون أن تركيا بهذه الصلات، تفقد صدقيتها بوصفها مؤتمنة على الوساطات الدقيقة بين إسرائيل وجيرانها، «وهذا من الناحية الجيوسياسية، سيكون له أثر كبير».
وعن مواقف أردوغان وزملائه في «العدالة والتنمية» من إسرائيل وجرائمها بحق الفلسطينيين، يكشف ليسر عن أنّ صناع القرار الأميركيين، يضعونها في خانة «ردود الفعل العامّة» المفهومة، لكون مطلقي هذه المواقف مضطرين إلى اتخاذها مراعاة لشعبيتهم ولمزاج عام إسلامي متضامن مع الفلسطينيين.
لكن ما لا يجزمه ليسر هو إلى متى ستبقى علاقات تركيا الأطلسية وارتباطاتها مع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بمنأى عن سلبيات خطابات أردوغان النارية تجاه إسرائيل.
وفي السياق، يشير ليسر إلى أنّ العلاقات بين إدارة باراك أوباما وحكومة أنقرة، ستحكمها «نظرة تركيا إلى ارتباطها في حلف شمال الأطلسي»، وهي صاحبة أكبر جيش بري من بين جميع دول الحلف الغربي. وهنا لا يخفي خشية الغرب من جذرية مواقف أردوغان، وخصوصاً أنّ تركيا تحتلّ مقعداً في مجلس الأمن الدولي لعامين مقبلين، وهي انتخبت لهذا المقعد، بصفتها دولة أوروبية. ولا يتردد ليسر في الإعراب عن ثقته بأنّ «أي تطوّر في الملف الإيراني سيكون بمثابة فحص تجريبي لاتجاهات السياسة الخارجية التركية».
فإذا تحرّك مجلس الأمن ضد إيران (على خلفية ملفها النووي)، «ستكون تركيا أمام قرارات صعبة»، ستحسم الموقع الذي تريده لنفسها في خريطة القوى العالمية.
على الأرجح، أُعلم أردوغان بالمخاوف الأميركية إزاء علاقاته واتصالاته بحركة «حماس»، لكن يبدو أنّه قرّر الذهاب بمواقفه حتى نهاية المطاف، وكأنه يعرف سلفاً أن لا قدرة لأميركا، ولا لإسرائيل على التخلّي عن دوره وعن محورية دولته.
فعلى هامش مؤتمر نظّمه مركز «بوليسي سنتر» في بروكسل أمس، جدّد أردوغان دعوته المجتمع الدولي إلى احترام فوز «حماس» في انتخابات عام 2006، محذراً من «حشرهم في الزاوية».
والمفاجأة في كلمة أردوغان، كانت المقارنة التي أجراها بين حزبه (العدالة والتنمية)، وحركة المقاومة الإسلامية، في معرض انتقاده لتصنيف الاتحاد الأوروبي الحركة على لائحة الإرهاب، لافتاً إلى أن «حزبنا المنبثق من التيار الإسلامي كان ضحية ضغوط مشابهة في بداياته».