بعد توقف القصف الإسرائيلي على غزة، تأتي مذكرات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق موشي شاريت لتكشف أن قادة إسرائيل عام 1955 ثبت لهم أن «احتلال غزة لن يحل أي مشكلة أمنية»، وأن الدولة العبرية قامت على مبدأ القوة التي تضمن لها درجة من التوتر من خلال افتعال حرب مع أي طرف عربي.وتقول الكاتبة الإسرائيلية ليفيا روكاش، في دراستها لمذكرات شاريت، الذي كان أول وزير خارجية لإسرائيل، إن «الخطر العربي أسطورة اخترعتها إسرائيل لأسباب داخلية.. ولم تستطع النظم العربية إنكارها تماماً، رغم أنها كانت على الدوام في خوف من استعدادات إسرائيل لحرب جديدة»، مضيفة أن احتلال غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية كان على «أجندة» القادة في إسرائيل، التي تستمد قدرتها على البقاء من «خلق الأخطار» و«اختراع الحروب».
وتقول روكاش، في كتابها «إرهاب إسرائيل المقدس... من مذكرات موشي شاريت»، إن أمن إسرائيل يبقى ذريعة رسمية للدولة العبرية والولايات المتحدة لإنكار «حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في وطنه... قُبلت تلك الذريعة كتفسير شرعي لانتهاك إسرائيل للقرارات الدولية التي تدعو إلى عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه»، وإنّ من تصفهم بـ«القتلة الإسرائيليين» يمارسون «منهج طرد وإبادة» ولا يترددون في التضحية بأرواح يهودية لضمان وجود درجة من الاستفزاز تبرر العمليات الانتقامية التالية.
وصدر الكتاب في القاهرة عن مكتبة الشروق الدولية، وقال المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في مقدمته إن بين إسرائيل والولايات المتحدة «علاقة خاصة... يمكن أن نقيسها بتدفّق رأس المال والأسلحة أو بالدعم الدبلوماسي أو بالعمليات المشتركة»، إذ تتحرك إسرائيل للدفاع عن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
وأضاف تشومسكي أن مذكرات شاريت، الذي يراه معتدلاًً، «تُعتبر بما لا يدعو للشك مصدراً وثائقياً أساسياً»، وأنها تبقى خارج التاريخ الرسمي الإسرائيلي. وتقول روكاش إن عائلة شاريت تعرّضت «لضغوط هائلة» لمنع نشر يومياته، إذ كان بين «الزعيمين الصهيونيين» شاريت وديفيد بن غوريون صراع أدى إلى «طرد» الأول من الحكومة عام 1956، نظراً إلى معارضته «أعمال التحرّش المستمرة» من جانب إسرائيل بجيرانها لدفعهم إلى مواجهة عسكرية كان قادة الدولة العبرية «على يقين بأنهم سينتصرون فيها».
ويقول شاريت في تشرين الأول 1953 إن قادة إسرائيل كان لديهم استعداد لاحتلال سيناء، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل لأن المصريين لم يسهّلوا مهمة الاحتلال، وأنهم حين يرتكبون «مجزرة بشعة» يسعون لاختراع عملية مثيرة تالية لصرف انتباه العالم عن العملية الأولى. ويسجل في شباط 1954 أن بن غوريون اتهمه بعدم الجرأة لاعتراضه على دفع الموارنة في لبنان «إلى إعلان قيام دولة مسيحية في لبنان... لبنان أضعف حلقة في جامعة الدول العربية... مصر هي أكثر الدول العربية إحكاما وصلابة»، على حد وصف بن غوريون في خطاب أرسله لشاريت.
لكن شاريت، الذي يوصف بالمعتدل، ردّ على بن غوريون معتبراً إعلان دولة مسيحية في لبنان «في الظروف الحالية... ستعتبر مضاربة غير محسوبة... لمصلحة مميزات تكتيكية مؤقتة لإسرائيل». لكنه لم يرفض المبدأ إلا لأنه في تلك الظروف «مغامرة مجنونة» سوف تسبّب خسارة. وتعلّق روكاش قائلة إن لإسرائيل طموحاً قديماً «لتقسيم لبنان وفصله عن العرب».
ويقول شاريت إن إسرائيل تهدف دائماً إلى «تفجير حرب» ضماناً لتصعيد التوتر، وإن العمليات «الانتقامية» تكتسب في الجيش الإسرائيلي قيمة معنوية تصل إلى «مستوى المبدأ المقدس»، وخصوصاً في فرقة كان يتولاها في الخمسينيات رئيس الوزراء السابق أرييل شارون.
ويقول شاريت إن عودة بن غوريون إلى رئاسة الوزراء في نهاية 1955 تزامنت مع رغبة أميركا التي كانت «مهتمة بإسقاط نظام (الرئيس جمال) عبد الناصر»، فأعطت إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بغزو مصر.
وتخلص المؤلفة إلى أن يوميات شاريت «مدمّرة للدعاية الصهيونية... وتفسّر لماذا لم يكن ممكناً أبداً ظهور صهيونية يمكن أن نصفها بأنها معتدلة، وكيف تنتهي دائماً بالفشل... تشرّبت الدولة مبادئ الإرهاب المقدس ضد المجتمعات العربية التي تحيط بها، بحيث لم يعد ممكناً تحرير الصهيونية من الداخل».
(رويترز)