اختار الرئيس السوري بشار الأسد أمس، القمّة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في الكويت، ليقترح على الدول العربية استبدال تسمية إسرائيل بـ«الكيان الإرهابي»، محذراً من أن وقف إطلاق النار لا يعني انتهاء العدوان، ومصرّاً في الوقت نفسه على ضرورة تقديم الدعم غير المشروط للمقاومة الفلسطينية بدل وصفها بـ«الإرهاب» وتحميلها مسؤولية الجريمة الصهيونية.وفي كلمته الافتتاحية بوصفه رئيساً للقمة العربية في دورتها العشرين، انطلق الأسد من ارتباط الاقتصاد بالسياسة، ليخلص إلى اعتبار أنّ «ما يحصل في غزة من إجرام»، هو غير مسبوق «بتداعياته الخطيرة التي قد تنعكس على بلداننا»، سياسياً واقتصادياً وإنسانياً.
وبدا أنّ الأسد قرّر عدم رفع سقف مواقفه من العدوان الإسرائيلي على غزة، إلى مستوى ما وصلت إليه في قمّة الدوحة قبل أيام. وبعدما أشار إلى أنّ «لكل قضية أهلها وأصحابها المعنيين بها قبل غيرهم»، رأى أنّ قمة الكويت لا تهدف إلى اتخاذ القرارات أو إصدار البيانات بالنيابة عن الشعب الفلسطيني، ولا ممارسة الضغوط عليهم، بما أنّ هؤلاء «خاضوا بأنفسهم معاركهم المشرفة، العسكرية كما السياسية، من دون أن يكلفوا أحداً بها نيابة عنهم».
وأوضح الرئيس السوري أن القضية الفلسطينية ذات جانبين، سياسي وإنساني، تندرج في إطار «إبادة شاملة، وتعكس الحقد والعنصرية لدى الإسرائيليين».
وحمّل الأسد الانقسام الفلسطيني جزءاً من مسؤولية المجزرة، لأنّ «القيام بها كان صعباً لولا الانقسام الفلسطيني الذي يعكس خلافاتنا العربية».
وعن رؤيته لحلّ في قطاع غزّة، عدّد الأسد المسائل التالية: وقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال، وفك الحصار فوراً، وفتح المعابر ومشاركة الجميع في إرسال المساعدات الإنسانية، والمساعدة في إعادة إعمار غزة لاحقاً.
وبشأن اقتراحاته للقادة العرب إزاء الصراع العربي ــ الإسرائيلي، لفت إلى أن الدعم السياسي والمعنوي لغزة هو الأهم. دعم عنوانه، بحسب الرئيس السوري، يبقى التأكيد على حق الدفاع عن النفس بكل الوسائل، وحق المقاومة الثابت في الرد على العدوان. ومن هذه النقطة، وجد ضرورة في تقديم الدعم الصريح «غير الملتبس» للمقاومة الفلسطينية، و«رفض كل ما من شأنه التشكيك في وطنيتها أو شرعيتها أو إضعافها».
ورداً على وصمها بـ«الإرهاب»، اقترح الأسد على القمة أن تتبنى رسمياً «وصف الكيان الصهيوني بالكيان الإرهابي»، متسائلاً: «كيف لا نصف هذا الكيان بالإرهابي وهو يمارسه منذ عقود ولا ينتخبون لقيادته سوى الإرهابيين؟».
وعن الوقف الأحادي الجانب لإطلاق النار، جزم الأسد بأنّ هذا «لا يعني أبداً انتهاء العدوان»، محذراً من مغبة الاطمئنان إلى الأوضاع في القطاع الفلسطيني الذي لا يزال محتلاً ومحاصراً.
وعما يشيعه «العالم المتحضر» من أن المشكلة هي في «سلاح يهرَّب لا جرائم تُرتَكب بأسلحة محرّمة دولياً»، رأى الأسد أن هذا الكلام «ليس مساواة للجلاد بالضحية فحسب، بل هو استبدال الضحية بالجلاد».
معطيات أوردها الأسد في كلمته ليصل إلى إطلاق إنذار مفاده أنّ «تكرار هذا العدوان يبقى احتمالاً وارداً في أي وقت، إلى أن تتغير السياسات الإسرائيلية، وهو أمر بعيد الاحتمال».
وحاول الأسد ربط الاقتصاد بالسياسة، عندما أمل أن تكون هذه القمة «قمة قرارات لا قمة تسويات، تخدم اقتصادنا العربي، وتخدم مبادئنا القومية والإنسانية». وقدّم معادلة تساوي بين الهمّين الاقتصادي والسياسي، على قاعدة «تشجيع الاستثمار بين دولنا، والوقوف في الوقت نفسه مع المقاومين».
وبما أنّ قمة الكويت كانت بالأساس اقتصادية، فقد خصّص الأسد أكثر من نصف كلمته لهذا الموضوع. وعلى حدّ تعبيره، فإنّ الحوار في الشأن الاقتصادي، بهدف تحقيق المزيد من التكامل والتنسيق بين أقطار الوطن العربي، هو أكثر من ضروري، «ولا سيما في ظل ما يشهده عالمنا الراهن من تحولات سريعة»، جازماً بأنّ وجود الإرادة السياسية وتوافر الإدراك المشترك لأهمية التعاون الاقتصادي العربي، «سيدفع بعجلة التفاعل والتكامل الاقتصادي إلى الأمام».
ولم يجد الأسد مبرراً لفك الاقتصاد عن السياسة، وخصوصاً أنّ السياسة «تنتج الأمن والاستقرار، وتؤدي للتنمية أو العكس».
هكذا، لاحظ الأسد كيف أنّ «تذبذب العلاقات العربية لا يمكن أن يؤدي إلى علاقات اقتصادية سليمة ومتطورة»، بما أنّ العلاقة الاقتصادية «تتحسن طرداً مع تحسن العلاقة السياسية».
وحمّل «تذبذب» العلاقات العربية ـــــ العربية، مسؤولية عدم وجود علاقات اقتصادية سليمة ومتطورة، مقارناً ما بين المجلس الاقتصادي العربي، ونواة الاتحاد الأوروبي اللذين تأسسا في بداية الخمسينيات. مثال أظهر من خلاله «الفارق الشاسع بين ما أنجزناه كدول عربية وبين ما أنجزته أوروبا خلال هذه الفترة الزمنية».
وفي السياق، أعرب الأسد عن ثقته بأنّ التكامل الاقتصادي «يحقق التنمية ويوفر الحماية من أية أزمة»، مذكراً بأنّ الدول العربية «أنجزت عدداً من الخطوات في هذا الإطار»، بدليل دخول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى حيّز التنفيذ عام 2005.
(سانا)