strong>بين التأكيد على ضرورة تغيير النظام المالي الدولي على اعتبار أنّ مجموعة الدول الصناعيّة الكبرى (G8) تجاوزها الزمن، وبين لوم الغرب على الأزمة الماليّة وتداعياتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة، تضيع الأهداف الحقيقيّة لقمّة التنمية المنعقدة في الدوحة، مع حضور أقلّ من نصف الزعماء المدعوّين، فيما عدد الفقراء في العالم إلى تزايد
عبّر الأمين العام للأمم المتّحدة، بان كي مون، عن سخطه في انطلاق القمّة التنمويّة لمنظّمته في الدوحة، أوّل من أمس. والغضب كان مبرّراً، فمن بين الزعماء العالميّين الـ35 المدعوّين إلى العاصمة القطريّة لم يحضر سوى 10 زعماء ولم يتمّ التوصّل إلى أيّة استنتاجات حقيقيّة تدعم عمليّات تطبيق أهداف الألفيّة، على الرغم من أنّ الاجتماع الدولي يستمرّ حتّى يوم غد.
غير أنّ ممثّلة الولايات المتّحدة، مديرة قسم المساعدات الدوليّة في وزارة الخارجيّة، هنرييتّا فور، رفضت فكرة أن يكون غياب القادة يعني أنّ الاجتماع هو مضيعة للوقت. وقالت: «المؤتمر قيّم جداً، ووزراء التنمية موجودون، وهم الأشخاص الذين تتمّ من خلالهم عمليّات تمويل المشاريع التنمويّة». مشيرةً إلى أنّ الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش «التزم بتعهّداته التي قدّمها في إطار توافق مؤتمر مونتيري في عام 2002».
ولكن إدارة الرئيس بوش متأخّرة في تقديماتها لمساعدة البلدان المحتاجة والفقراء في العالم الذين يقول البنك الدولي إنّ عددهم سيرتفع بواقع 40 مليون فقير جديد في العام المقبل، في الوقت الذي يعيش فيه 1.4 مليار نسمة حول العالم على أقلّ من 1.25 دولاراً يومياً.
وفي هذا السياق، شدّدت رئيسة بعثة منظّمة «Oxfam» في قطر، آريان ألفا، على أنّ فرنسا، مثل البلدان الغنيّة الأخرى، لا تحترم الجداول الزمنيّة والمعياريّة القاضية بمنح 0.56 في المئة من ناتجها المحلّي الإجمالي إلى البلدان الفقيرة على شكل مساعدات بحلول عام 2010. وقالت إنّ باريس أعلنت أخيراً موازنتها المخصّصة للتنمية خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهي لا تعكس جهوداً حقيقيّة وذات صدقيّة من أجل فعل ذلك».
بان كي مون شدّد على أنّ «الأزمة الماليّة ليست الأزمة الوحيدة التي نواجهها، فهناك أزمة التنمية الطارئة، إضافة إلى أزمة التغيّر المناخي المتفاقمة»، وقال إنّ هذه الأزمات مترابطة جدّاً ويجب أن يتمّ التعامل معها على أنّها واحدة».
وكان في حديث المسؤول الأممي «توبيخ ضمنيّ!» لزعماء الدول الغنيّة، وبنى العرض الذي قدّمه في المؤتمر على حقيقة أنّه «إذا لم تعالج الأزمة المالية التي نعانيها اليوم بطريقة صحيحة فإنها ستصبح أزمة إنسانية في الغد»، إلّا أنّه أدخل في هذا السياق موضوع العوائق الموجودة على طريق تطوير التجارة الدوليّة، وقال: «نحتاج إلى أن نرى إحياء جولة الدوحة (لمحادثات التجارة) واختتامها بنجاح في أسرع وقت ممكن».
وفي المبدأ فإنّ المؤتمر المخصّص للمعونات ليس له علاقة بجولة محادثات الدوحة المعرقلة منذ أكثر من 6 سنوات، بسبب عدم توصّل البلدان النامية والصناعيّة إلى قواعد مشتركة تراعي حماية أسواق البلدان الأولى من «غزو» المنتجات الزراعيّة الغربيّة المدعومة كثيراً من الحكومات، وبسبب تعنّت المجموعة الثانية في مسألة ضرورة أن يفتح الفقراء أسواقهم بالكامل للمنتجات الغربيّة بكلّ أنواعها.
وهكذا يكون المؤتمر قد شكّل منبراً لضرورة إحياء محادثات التجارة التي فشل المدير العام لمنظّمة التجارة العالميّة، باسكال لامي، في إنعاشها خلال القمّة التي عقدت في وقت سابق من العام الجاري واستمرّت أسبوعاً.
فلامي لفت في كلمته التي ألقاها في الدوحة، إلى أنّه من الضروري توجيه رسالة بأنّ الدول الفقيرة لن تتسوّل المعونات وأن هناك حاجة ماسة إلى الالتزام بالتجارة. ولكن تلك البلدان تشكو من تمثيلها السيّئ في المحافل الاقتصاديّة الدوليّة، الذي أرسته القواعد التي قام عليها النظام العالمي بعد الحرب العالميّة الثانية، والتي تُطرح أفكار جادّة لمعالجته وتحديداً في إطار مؤتمرات مجموعة الدول العشرين الكبرى.
وفي هذا السياق، قال ساركوزي إنّه «بسبب هذه الأزمة يمكننا أن نتبنّى اتجاهين: إمّا أن نواصل السير أو أن نجعل هذا فرصة لتغيير العالم وتغيير النظام المالي العالمي». وأضاف: «نعتقد أنّه في إطار صندوق النقد الدولي يتعين أن يكون للدول النامية مقعد وأن تؤدّي دوراً أكثر أهمية. نعتقد أنّ صيغة مجموعة الثماني التي كانت مفيدة في وقت ما أصبحت الآن بالية».
ولكن في ظلّ المعمعة الماليّة القائمة التي تنعكس ركوداً في معظم الاقتصادات المتقدّمة لا بدّ لقادة العالم من ابتكار آليّات جديدة لمساعدة الفقراء لأنّ «الوقت حان كي يكون لدينا قدر أكبر من الخيال وأن يكون بمقدورنا إيجاد أفكار أخرى»، على حدّ تعبير رئيس «ساوتومي وبرنسيب»، فراديك دي مينزيس، الذي نفّذت بلاده برامج للتعديل الهيكلي على مدى السنوات العشر الماضية، ولكن «القطاع الزراعي في بلدي أصبح الآن مفلساً نتيجةً لنصائح المؤسسات الدولية».
(الأخبار)


شركاء خسارة!

لم تغب الحجج السياسيّة عن القمّة التي تستضيفها العاصمة القطريّة. فالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جدّد اتهاماته للولايات المتّحدة بصورة خاصة، والبلدان الغربيّة بصورة عامة، لمسؤوليّتها عن الأزمة الماليّة العالميّة التي تقوم في إطارها «المجتمعات الرأسماليّة غير العادلة وغير الرحيمة» بتحميل الأكلاف للبلدان الفقيرة. وقال الزعيم الإسلامي: «يريدون ضمّ الآخرين لتحمّل خسارتهم. يقولون إنّها (الأزمة) كونيّة، ولكنّها نشأت من جرّاء الاستخدام غير الصحيح لموارد البلدان الأخرى. لا يريدون سوى شركاء لتحمّل الخسائر معهم».