أسباب كثيرة دفعت مجلس الشيوخ الأميركي، وتحديداً الجمهوريّين فيه، إلى رفض خطّة إنقاذ شركات السيّارات الثلاث الكبرى في البلاد، وأحدها الممارسات الإداريّة الخاطئة خلال السنوات الماضية التي لم تولّد سوى هدر في ظلّ فقدان «الابتكار». ولكن هذا الرفض سيؤدّي ربّما إلى إفلاس الشركات وفقدان أكثر من 3 ملايين أميركي وظائفهم، ولذلك فإنّ الإدارة ستحتويه
حسن شقراني
يحذّر رئيس شركة صناعة السيّارات الأميركيّة، «Ford»، التي هي واحدة من الثلاث الكبرى إلى جانب «General Motors» و«Chrysler»، آلان مولالي، من أنّ عدم تأمين دعم مباشر الآن لقطاع السيّارات في الولايات المتّحدة سيؤدّي إلى فقدان حوالى 4.5 ملايين أميركي وظائفهم (مباشرةً أو غير مباشر) وسيفاقم حدّة الكساد الذي يسيطر على اقتصاد البلاد منذ كانون الأوّل الماضي، ورفع معدّل البطالة إلى 6.7 في المئة، مع توقّعات بأنّ هذه النسبة قد تصبح 7.5 في المئة العام المقبل.
ولكن هواجس مولالي ليست خطيرة كتلك التي تسيطر على القيّمين على الشركتين الأخريين اللتين تعدّان فعلياً في دائرة الخطر، بعدما رفض الكونغرس خطّة الإنقاذ التي تبلغ قيمتها 14 مليار دولار لتأمين قروض ميسّرة سريعة لهما لتجنّب الإفلاس. فـ«Ford» كانت طلبت فقط تأمين خطّ ائتماني من أجل مساعدتها إذا اشتدّت عليها الظروف الماليّة في السوق ولم تعد تستطيع تسديد متوجّباتها.
فبعد إقرارها في مجلس النوّاب، اصطدمت الخطّة برفض الجمهوريّين في مجلس الشيوخ. ومن بين الأسباب الأساسيّة التي دفعت إلى رفضها كان عدم التوصّل إلى اتفاق في شأن الرواتب التي يتقاضاها العاملون في القطاع. فنقابة عمّال مصانع السيّارات ترفض تعديل الاتفاق المبرم مع الإدارات، وبالتالي خفض رواتب العمّال إلى مستويات رواتب عمّال مصانع السيّارات اليابانيّة في الولايات المتّحدة، قبل انتهاء فترة العقود عام 2011.
«لا أحد بيننا يريد رؤيتها تقع (الشركات) ولكن قلّة قليلة بيننا كان لها علاقة بالمعضلة التي خلقتها لنفسها». هكذا علّق زعيم الجمهوريّين في الكوتغرس، ميتش ماكونيل. ولكن «هذه خسارة كبيرة للبلاد» بحسب رئيس الغالبيّة الديموقراطيّة في المجلس هاري ريد. وفي ظلّ هذا التفاوت على صعيد صنّاع القرار، تنتظر الشركات، التي يُتّهم الديموقراطيّون بأنّهم مقرّبون منها نظراً للترويج الهائل الذي تقوم به في الأوساط السياسيّة، الإنقاذ الحكومي الذي يجب أن يأتي في نهاية المطاف، وإلّا ستحدث «إفلاسات كارثيّة» حذّر منها البيت الأبيض.
ولكن وضع الشركات صعب جداً من الناحية التقنيّة، كما هي الحال في الناحية الماليّة. فعلى صعيد صمودها المالي، كانت الشركات طلبت أساساً مساعدات بقمية 34 مليار دولار من أجل احتواء آثار الأزمة الماليّة على مبيعاتها وتمويلها. ففي ظلّ البيئة الصعبة في سوق الائتمان، يصعب الحصول على قروض من أجل تسيير الأمور في اللحظات الصعبة. وخصوصاً في ظلّ عدم وعي الإدارة للضرورات الماليّة المترتّبة عليها. فتقديرات المختصّين تفيد بأنّ معدّل عائد العامل (الراتب إضافة إلى المكاسب الأخرى) لدى «General Motors» يبلغ 71 دولاراً في الساعة، بينما لدى «Toyota» هو 47 دولاراً!
أمّا بالنسبة للشق التقني، فهنا تكمن المعضلة. فخلال السنوات الماضية تساهلت تلك الشركات كثيراً في ما يخصّ المعايير المعتمدة لتطوير السيّارات المنتَجة، إن من ناحية النوعيّة (هنا يتحدّث المختصّون عن الأداء السيّئ لمنتجات «Chrysler») أو من ناحية مجاراة التطوّرات التكنولوجيّة المتعلّقة بتوفير الوقود. ففيما الشركات الأخرى (اليابانيّة تحديداً) تسعى إلى ابتكار سيّارات لا تعتمد على الوقود الأحفوري، لم يتوصّل الكونغرس سوى خلال العام الجاري إلى قرار يفرض على شركات السيّارات التقيّد بإنتاج سيّارات بمعدّل مصروف يبلغ بالحدّ الأدنى 35 ميلاً للغالون الواحد مع حلول عام 2020، عوضاً عن 25 ميلاً للغالون حالياً.
...تداعيات رفض الكونغرس لخطّة إنقاذ شركات السيّارات ظهرت مباشرة في الأسواق، فقد تراجعت بورصة طوكيو أكثر من 5 في المئة، فيما انخفض سعر الدولار دون عتبة 90 يناً للمرة الأولى منذ 13 عاماً. أمّا بورصة نيويورك التي خسرت أخيراً حوالى 24 في المئة من قيمة أسهمها بسبب المخاوف من عدم مرور الخطّة، فقد بدأت جلسة تداولها أمس على تراجع قارب 2 في المئة.
ومن هذا المنطلق لا يبدو أنّ الإدارة الأميركيّة الحاليّة ستدع الشركات تفلس وستساعدها، ربّما من خلال استخدام الأموال من صندوق الـ700 مليار دولار الذي كان أساساً مخصّصاً لإنقاذ القطاع المالي. فحتّى لو لجأت «General Motors» على سبيل المثال إلى الفصل الـ11 من قانون الإفلاس (عدم تسديد المتوجّبات وإكمال العمل بشرط «إعادة الهيكلة»)، فستبقى محتاجة إلى قروض من أجل تسيير الأعمال، وهذا الأمر حالياً هو بكلّ بساطة مستحيل. أو ربّما يراهن الجميع على إمكان صمود الشركات إلى حين استلام باراك أوباما القيادة وإطلاق خطّة التحفيز خاصّته، ولكن الشركات لن تصمد حتى ذلك الحين.


أهميّة القطاع

يمثل قطاع إنتاج السيارات في الولايات المتحدة مصدراً مهماً للنشاط الاقتصادي والتوظيف، وخصوصاً في المناطق المحرومة، حسبما تفيد وكالة «فرانس برس». ففي نهاية أيلول كان يعمل في الشركات الثلاث الكبرى في هذا القطاع 240 ألف شخص. لكن بإضافة الوظائف غير المباشرة التي تؤمنها فروع صناعة المعدات والوكلاء ومزودي القطاع، يمثّل القطاع 2.2 مليون وظيفة و65 مليار دولار من الرواتب سنوياً. وإذا أفلست الشركات الثلاث ترفع الكلفة الاجتماعية للأزمة إلى ثلاثة ملايين وظيفة من أصل 137.6 مليون وظيفة في البلاد.