لا يمكن التحديد بدقّة حجم الخسارة التي لحقت بالمستثمرين والمتموّلين الكبار في العالم جرّاء الأزمة الماليّة. ولكن بعض الأرقام تُظهر مدى حدّتها، فرجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال كشف عن خسارته 4 مليارات دولار خلال الأشهر الـ12 الماضية، فيما تظهر تدريجاً إحداثيّات فضيحة هرم الفساد الذي أداره المستثمر الأميركي «النظيف!» برنارد مادوف
حسن شقراني
في الوقت الذي تظهر فيه أسماء ضحايا ممارسات الفساد المالي التي قام بها المستثمر الأميركي، برنارد مادوف، كشف رجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال، في حديث لمجلّة «Arabian Business»، عن أنّ خسارته خلال هذا العام بلغت 4 مليارات دولار لتصبح قيمة ثروته الكليّة 17.08 مليار دولار، بعدما كانت 21 مليار دولار في العام الماضي، وصنّفته مجلّة «Forbes» على أساسها ثامن أغنى رجل في العالم في لائحة تضمّ الأميركي بيل غايتس ووارن بافيت ولاكشمي ميتال وآخرين.
فالاستثمارات التي قام بها الأمير السعودي القائمة على الانكشاف على الأصول الماليّة الخطرة دفعت نحو انخفاض قيمة أصول كثيرة في محفظته الماليّة. وعلى سبيل المثال فهو رفع حصّته من 4 في المئة إلى 5 في المئة في المصرف الأميركي «Citigroup» الذي هبط سعر سهمه في الفترة الأخيرة إلى مستويات متدنيّة بطريقة قياسية، ما دفع الحكومة الأميركيّة إلى الهرع لإنقاذه. وقد تكون الإجراءات التي اتخذها برفع الحصّة تكتيكيّة لأنّ الجميع كان يعلم أنّ إنقاذ المصرف حتمي بسبب ارتباطه بشبكة معقّدة جداً وعالميّة جداً من العمليّات المصرفيّة والمؤسّسات الماليّة. ولكن ذلك لم يمنع من أنّ الاستثمارات فيه فقدت الكثير من قيمتها.
من جهة أخرى، تمثّل حصّة الوليد في شركة «المملكة القابضة» حوالى 8 مليارات دولار من ثروته الكليّة. فالشركة تستثمر في مجالات متنوّعة بينها التكنولوجي، كالحصّة التي تملّكها في شركة «Apple» للكمبيوتيرات، والإعلامي، لاستثماراتها في شركة «News Corp» التي يملكها العملاق روبرت ميردوخ. ولكن الانكشاف على الأصول الخطرة وأهمّها تلك المتعلّقة بأوراق المصارف الأميركيّة سيؤدّي حتماً إلى خسارة الأمير وزملائه في نادي الأثرياء في العالم.
تلك الخسائر المتعلّقة باستثمارات غير سليمة (لارتباطها بأوراق ماليّة مثل الرهون العقاريّة الأميركيّة) أو مشبوهة (بسبب المردود الكبير الذي تؤمّنه من دون وضوح طبيعة المصادر بطريقة أكيدة)، ظهر طرف منها مع تكشّف تفاصيل قضيّة الفساد المتّهم فيها المستثمر الأميركي الكبير، برنارد مادوف، بالاحتيال بقيمة 50 مليار دولار على مستثمرين في مختلف أنحاء العالم من خلال رفع مفهوم مخطّط الـ«بونزي» (Ponzi Scheme) إلى مستويات عليا (وُصفت نتيجتها بأنّها هرم مالي) تليق بمستوى التعقيد الذي وصلت إليه «وول ستريت» ودفع نحو انهيارها وانهيار زميلاتها في العالم منذ إعلان المصرف الأميركي «Lehman Brothers» إفلاسه في أيلول الماضي، وإطلاق موجة الذعر بين المستثمرين.
فقد كشفت التقارير الإعلاميّة أمس، أنّ متموّلين ورجال أعمال كباراً في عالم المال والأعمال عالمياً استثمروا أموالاً في أعمال مادوف، ووقعوا بالتالي ولسنوات طويلة ضحيّة مخطّطه الاحتيالي القائم على تقديم فوائد مرتفعة جداً للمستثمرين من خلال اقتراض تسلسلي للأموال دفع في النهاية إلى اكتشاف بعض الزبائن لدى تفقدّهم استثماراتهم في صندوق الاستثمارات العتيد الذي يدره مادوف، أنّه ببساطة لا توجد أموال!
وحسبما نقلت صحيفة «Wall Street Journal» فإنّ مصارف كبيرة مثل «BNP Paribas» الفرنسي هي من عداد هؤلاء الضحايا، كما أنّ مستثمرين من إسبانيا بينهم صندوق «Optimal Santander» خسروا أكثر من 3 مليارات دولار، كما خسرت شركة إدارة الثروات «M&B Capital Advisers» 558 مليون دولار.
ولكن اللافت في القضيّة هو ما نقله موقع «Bloomberg» عن مصادر مطّلعة، ويفيد أنّ لجنة الرقابة على السوق الماليّة في الولايات المتّحدة (Security and Exchange Commission») لم تفحص الدفاتر الماليّة لشركة مادوف منذ تسجيلها لدى اللجنة عام 2006، لذا فإنّ أيّة استثمارات مشبوهة أو ممارسات فاسدة كان يقوم بها وتعرّض المليارات من أموال الغير للخطر، لم تكن مرصودة وغير مشكوك في أمرها حتّى، نظراً لأنّ المتهم كان رئيساً لبورصة «Nasdaq» في نيويورك وأحد أكثر العاملين في السوق الماليّة «نظافة».
ومن هذا المنطلق يمكن فهم الأسباب الإضافيّة الكامنة وراء التعقيدات التي سيطرت على «وول ستريت». ففقدان الرقابة أدى إلى نشوء المنتجات الماليّة المعقّدة التي دفعت إلى تسمّم السوق منذ آب عام 2007. كذلك أدى إلى ارتفاع حجم ممارسات الفساد. وهذان العاملان دفعا نحو تكبّد مستثمر مثل الوليد بن طلال خسارة تمثّل 20 في المئة من ثروته.
والسؤال الآن يبقى: ماذا سيفعل أثرياء العالم في المستقبل في ما يخصّ استثماراتهم في الأسواق الماليّة، فيما الجميع ينتظر اللائحة الجديدة التي ستنشرها «Forbes»؟


تأثّر سويسري

خسرت مصارف وصناديق استثمار سويسريّة أكثر من 4.22 مليارات دولار جرّاء الاستثمار في الأوراق الماليّة، التي كان برنارد مادوف يصدرها، والتي دفعت لتسجيل خسائر تقدّر بـ50 مليار دولار تمسّ بمَحافِظ مستثمرين حول العالم. وبحسب صحيفة «Le Temps» فإنّ مصرف «UBP» الرائد في مجال الاستثمار في صناديق التحوط، خسر نحو مليار فرنك سويسري. فيما تأثّرت مجموعة «EIM» الناشطة في صناديق التحوط بواقع 230 مليون دولار أو نحو 2 في المئة من حجم الأصول تحت إدارتها البالغ 11.5 مليار دولار.