كلّ الإجراءات الأمنية التي سبقت ورافقت وصول الرئيس الأميركي جورج بوش إلى بغداد، في زيارته الرابعة والوداعيّة، لم تحل دون إهانته في عاصمة الرشيد التي دمّرها جيشه واحتلّها: حذاءان يرميهما صحافي عراقي مع عبارة «هذه قبلة الوداع أيها الكلب» في وجه بوش. كان هذا لا شكّ أفضل وداع بالنسبة إلى ملايين العراقيين الذين أُثلجت قلوبهم، لكن لا بدّ أنهم حزنوا عندما رأوا رئيس حكومتهم نوري المالكي يرمي نفسه أمام ضيفه لحمايته من الحذاءين اللذين لم يصيباه أصلاً!«بطل» احتفال توقيع بوش والمالكي على الاتفاقيّة الأميركية ـــ العراقية، يُدعى منتظر الزيدي، ويبلغ من العمر 29 عاماً. هو مراسل قناة «البغدادية» المعروفة بمعارضتها للاحتلال الأميركي، وكان واقفاً بين المراسلين وهمّ برشق بوش بعد توقيعهما على نصّ «سوفا». وعلى الفور، انقضّ عناصر الأمن الأميركي والعراقي على الزيدي الذي ظلّ يصرخ بأعلى صوته، وسحبوه... ربما إلى أحد أشقّاء معتقل «أبو غريب».
وحاول بوش افتعال ردّة فعل «باردة» و«ديموقراطيّة»، فابتسم قائلاً «لقد قام بذلك من أجل لفت الانتباه إليه. هذا الأمر لم يقلقني ولم يزعجني. أعتقد أن هذا الشخص أراد أن يقوم بعمل يسألني الصحافيون عنه. لم أشعر بأيّ تهديد».
عندها، فوّض أحد الصحافيين الحاضرين في المؤتمر نفسه متحدثاً باسم زملائه، وخاطب الرئيس الأميركي بالقول «أعتذر باسم الصحافيين العراقيين». «تهذيب» مبالَغ به ردّ عليه بوش بالقول «أشكركم على ذلك فأنا مقتنع بأن العراقيين ليسوا كذلك. هذه أمور تحدث عندما تكون هناك حرية». وأضاف بوش ساخراً أن «مقاس الحذاء 44 إذا أردتم أن تعرفوا أكثر».
بوش، الذي التقى نظيره العراقي جلال الطالباني وبقيّة القيادات العراقية بعد وصوله السرّي للغاية إلى بغداد، اقتصر استقباله في المطار على أهل البيت: قائد قوات الاحتلال ريمون أوديرنو والسفير ريان كروكر [28].
السرية المطلقة خرقها أكراد العراق فقط، إذ تبيّن أنهم كانوا وحدهم على علم مسبق بالزيارة، فقد سرّب المقرّبون من الطالباني، أبرزهم القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني فؤاد معصوم، والنائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان، السبق الصحافي قبل ساعات من وصول طائرة بوش إلى مطار بغداد الدولي. والطالباني استعجل قطع زيارته إلى كركوك وتوجّه إلى بغداد أول من أمس لضمان لقاء «صديقه العظيم الذي ساعدنا في تحرير بلدنا»، على حدّ تعبيره بعد اجتماعه في الجادرية بضيفه.
وبعد توقيعه مع المالكي على «سوفا»، لم يكن لدى بوش ما يقوله سوى «يتعيّن عمل الكثير فالحرب لم تنته بعد، لكن بموجب هذه الاتفاقية وشجاعة الشعب والجيش في العراق وشجاعة الجنود الأميركيين والعاملين المدنيين فإنها في الطريق إلى الانتصار». وأضاف «نترك للرئيس المقبل أساسات ثابتة ومقاربة بإمكانها نيل المزيد من التأييد في الوطن». أما المالكي، فردّ بالمثل: «هذا هو المستقبل الزاهر الذي عملنا من أجله طويلاً».