عندما تجاوز سعر برميل النفط عتبة الـ147 دولار في 12 تمّوز الماضي، حلّقت عائدات «أوبك» وبلغت 4 تريليونات دولار يومياً. ومنذ ذلك الحين راقب أعضاء المنظّمة السوق تقضم منها تدريجياً لتصبح حوالى 1.2 تريليون دولار. ولهذا تحديداً أقرّ الأعضاء أمس، خفضاً لإنتاجهم بواقع 2.2 مليون برميل يومياً، فيما جرى «تأجيل» عمليّة «تقوية» مركز الكارتيل بعدم ذكر انضمام روسيا إليه
حسن شقراني
بعد اجتماعهم «الاستثنائي ــــ العقيم» في القاهرة في نهاية الشهر الماضي، توصّل أعضاء منظّمة الدول المصدّرة للنفط في قمّتهم في وهران الجزائريّة أمس، إلى إقرار خفض جديد للإنتاج بواقع 2.2 مليون برميل يومياً، ما يمثّل 8 في المئة من إنتاجهم اليومي البالغ 27.3 مليون برميل، ويرفع حجم الخفوضات التي أقرّت منذ أيلول الماضي إلى 4.2 ملايين برميل يومياً (أي 12 في المئة من الإنتاج الكلّي).
الهدف من هذا الخفض الضخم الذي جاء أكبر من توقّعات وزير النفط السعودي علي النعيمي بواقع 200 ألف برميل يومياً، هو السيطرة على التدهور السريع الذي شهده سعر الوقود الأحفوري منذ تمّوز الماضي، وأفقده 70 في المئة من قيمته في ظلّ ازدياد مخاوف المستثمرين من الكساد العالمي ومن تحوّل الأزمة الاقتصاديّة العالميّة إلى كابوس حقيقي لجميع اقتصادات العالم في عام 2009، مع ارتفاع معدّلات البطالة وانخفاض الأسعار ودخول الاقتصاد الكوني بالتالي في دوّامة تؤدّي في أسوأ الأحوال إلى كساد. فبحسب حديث نائب مدير صندوق النقد الدولي، جون ليبسكي، أمس، فإن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى إجراءات «جديدة وفعّالة» (حكوميّة طبعاً) لتفادي تباطئه أكثر في العام المقبل.
ويمكن القول إنّ هذا الخفض جاء بعدما بدّلت السعوديّة من رؤيتها واعتمدت مقاربة أبعد من السلميّة وأقرب إلى العدائيّة. فقد بدأ أكبر منتج للنفط في العام والأكثر نفوذاً في الكارتيل النفطي يشعر جدياً بتأثيرات تراجع الأسعار، وخصوصاً في ظلّ تأثّره بالأزمة العالميّة. وقال الملك السعوديّ، عبد الله بن عبد العزيز، أخيراً، إنّه يرغب في رؤية الأسعار تعود إلى 75 دولاراً للبرميل، لتأمين هوامش أكبر من الأرباح جرّاء بيع الذهب الأسود.
الرئيس الحالي لـ«أوبك»، وزير النفط الجزائري شكيب خليل، شدّد على أنّ منّظمته تريد القضاء على الفائض الموجود في الأسواق، في ظلّ انخفاض الطلب وتقلّص الاستهلاك، ما قد يؤدّي إلى «انهيار فعلي للأسعار».
هذا الانهيار يشهد العالم الجزء الأول منه منذ الصيف الماضي، ويذكّر المنظّمة بالأزمة الماليّة في عام 1998 التي دفعت نحو انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون الـ10 دولارات. ولتفادي الجزء الثاني، أي انخفاض أكبر قد يؤدّي إلى وصول السعر إلى 25 دولاراً أو 30 دولاراً في العام المقبل، ستبدأ المنظّمة بتطبيق الخفض الجديد في بداية الشهر المقبل. ولكن هل تنجح تلك الإجراءات؟
ردّة الفعل الأوليّة للسوق تجاه خطوة «أوبك» لم تكن مرضية للمنظّمة، فقد انخفض سعر البرميل في بورصة نيويورك بعد القرار مباشرة إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من أربع سنوات وبلغ 40.2 دولاراً. وهذا الأمر يُفسّر بطريقة ما بارتدادات الإجراءات المتّخذة. فعندما يُقرّ خفض أكبر من المتوقّع في محاولة «يائسة» لرفع الأسعار، فقد تردّ السوق بالتعبير عن شعورها بالقلق من وضع الاقتصاد: ارتفاع سعر النفط يعني ارتفاع أكلاف التشغيل، وفي ظلّ التباطؤ الاقتصادي الحالي، يعني ذلك انكماشاً جديداً في النشاط الاقتصادي.
وليس من الواضح بعد ما ستؤدّي إليه التطوّرات في السوق خلال الفترة المقبلة تماشياً مع البيانات الصادرة من الدول الغنيّة والنامية على حدّ سواء. ولكن الأكيد هو أنّ جميع التوقّعات تشير إلى انخفاض الطلب على الوقود الأحفوري خلال العام المقبل، ما يعني أنّ خطوة «أوبك» قد تكون بهدف احتواء تداعيات تراجع حتمي للأسعار لا تستطيع عكس مفاعيله.
من جهة أخرى، فإنّ الإجراءات المتّخذة كان يمكن أن تكون أكثر جذريّة إذا توضّحت معالم عمليّة انضمام روسيا، المنتج الثاني للنفط في العالم، إلى المنظّمة، لكي ترتفع حصّة «أوبك» من النفط المنتج عالمياً من 40 في المئة إلى 50 في المئة، وتكتسب أكثر طابعاً احتكارياً بتحكّمها بأكثر من نصف الكميّات المنتجة.
ولكن فيما أقرّت أذربيجان على هامش القمّة خفض إنتاجها بواقع 300 ألف برميل يومياً، لفت نائب رئيس الوزراء الروسي، إيغور سيشين، في حديثه لمندوبي بلدان المنظّمة، إلى أنّ شركات النفط الروسية قد تخفض صادرات النفط رداً على انخفاض الأسعار، إلّا أنّه لم يتعهد بخفض الإنتاج أو يشير إلى أنّ موسكو تسعى للانضمام إلى «أوبك».
ولهذا الواقع من دون شكّ تأثير على ردّة فعل السوق على قرار المنظّمة الذي رغم قوّته لا يبدو أنّه سيرفع الأسعار العام المقبل بل سيلطّف انخفاضها، وربّما تلجأ المنظّمة إلى خفوضات يأس جديدة أخرى إلى حين بدء التعافي التدريجي للاقتصاد العالمي، وهذا لن يحصل قبل عام 2010.


تحرّك إيجابي

ترى المكسيك، التي تُعدّ المنتج الثامن للنفط في العالم، أنّ أيّ تحرّك لإعادة الاستقرار إلى أسعار النفط أمر إيجابي، ولكنّها لم تعرض خفض إنتاجها النفطي لدعم جهود «أوبك» في هذا الصدد. وبحسب بيان أصدرته وزارة الطاقة ونشرت بعض تفاصيله وكالة «رويتز» فإنّه «منذ عام 2004 انخفض إنتاج النفط المكسيكي بواقع 600 ألف برميل يومياً. وهو انخفاض لم يشهده أي منتج كبير آخر للنفط في تلك الفترة». وكرر البيان التوقعات بأن الصادرات ستبلغ 1.27 مليون برميل يومياً في عام 2009، ما يوحي بأنه ليس هناك أي خفض متوقع في الصادرات.