قاسم س. قاسمكان هذا على الصعيد الشعبي، أما بالنسبة إلى المسؤولين، فقد تخلوا عن صفاتهم القيادية ليلتحقوا بالناس: هكذا نظموا معهم التظاهرات وتلقوا التبريكات بمن سقط من الشهداء. أبو رياض حسين، وهو من تحالف القوى الفلسطينية، كان يتنقل، مثل الكثير من القياديين، بين اللجنة الأمنية واللجنة الشعبية لمخيم البرج للاطلاع على برنامج اليوم من التظاهرات. فالمشاركة بالتظاهرات والتنظيم لها هو لا شك نوع من المقاومة «بوجه آلة الحرب الإسرائيلية، ولتأكيد الدعم الشعبي للمحاصرين في غزة». استطاعت غزة أمس أن تجمع القيادات الفلسطينية المتناحرة في ما بينها على طاولة واحدة، وكل ذلك في الشتات. أما الداخل الفلسطيني الذي يدمّر، فما زالت الاتهامات متبادلة بين إذاعات الطرفين «من ميليشيات عباس» على قناة «فلسطين» و«عصابات حماس» على قناة «الأقصى»، أما اللاجئ فإنه يشاهد «الجزيرة».
يعلم اللاجئون أن العدوان سيطول، وخصوصاً مع الحديث عن العملية البرية المتوقعة. لذلك أُحضرت خيم نُصبت في ساحات المخيم الكبيرة. للوهلة الأولى تبدو كأنها خيم لتقديم التعازي. لكن شاشة كبيرة وضعت فيها لنقل آخر المستجدات. رائحة القهوة تملأ المكان. القهوة أفضل رفاق الانتظار. سهرة الليلة ستكون بلا شك طويلة، لكن السؤال: إلى متى ستطول السهرات؟ الشباب حائرون في الخطوة التالية: ما الذي قد يفعلونه لعون أهلنا هناك؟ بعضهم لم يجد متنفساً إلا في حرق الدواليب المطاطية على مدخل المخيم. أما التوتر، فقد كان على أشده. مع طول الوقت وجد الشباب ما يختلفون بشأنه. يعترض البعض كيف «أن حماس لم تُخلِ مراكز الشرطة من الأسرى التابعين لفتح»، فيرد عليه الآخر: «مات أفراد الشرطة مع المساجين، ولم يكن المقصد قتلهم». يشد هذا الكلام انتباه رجل كهل كان يمر بقربهم، فيتسمّر فجأة موجهاً كلامه للشباب بغضب: «عيب عليكو يليّ عم تحكوا عنهن فلسطينيي ودمنا واحد». يسود صمت، ثم يتبدل الحديث إلى آخر يناقش مسؤولية «الحكام العرب» في ما يحصل.