شهدت بيروت أمس اعتصامات وتظاهرات عدة مندّدة بالعدوان الإسرائيلي على غزة والصمت العربي تجاه الوضع في فلسطين. وتميّزت التظاهرة أمام السفارة المصرية بأعمال الشغب التي استمرت حتى المساء
ديما شريف
...فجأةً تغيّر المشهد. كانت التظاهرة سلمية في نصف الساعة الأولى، لكن فجأةً اندفع الرفاق نحو السياج الشائك حول السفارة المصرية وسحبوه إلى الخلف. داسوا جزءاً منه وسوّوه بالأرض ليندفع بعض الشبان نحو السفارة شخصياً. ارتبكت القوى الأمنية التي لم تكن تتوقع حصول ذلك فحاولت إعادة الشبان إلى الخلف، وبدأت إطلاق القنابل المسيّلة للدموع والمياه لتفريق المتظاهرين. تطوّر الوضع لاحقاً، بعد انسحاب القوى اليسارية التي توجهت للإسكوا، ليصل إلى محاولة قطع طرق وإحراق إطارات.
هكذا كان المشهد أمس أمام السفارة المصرية في منطقة بئر حسن في بيروت، خلال التظاهرة التي دعا إليها لقاء الهيئات والمنظمات الشبابية اليسارية اللبنانية والفلسطينية وشارك فيها عدد كبير من الشبان من المناطق المجاورة للسفارة ومن مخيمي صبرا وشاتيلا.
وكانت التظاهرة قد بدأت قبيل الثانية من بعد ظهر أمس بقليل، بتجمّع شباب يحملون لافتاتهم وأعلامهم. إحدى الفتيات حملت مجسماً لطفلتين تنزفان ووقفت صامتة أمام السياج الشائك الذي قطعت بواسطته القوى الأمنية الطريق إلى السفارة. بعض الشبّان زيّنوا السياج ببضع لافتات. «كروشكم ملأى والغزاويون جائعون»، «نعم لاستمرار المقاومة، لا للتهدئة»، «المناصب الوهمية من رئاسة حكومات ودول... لا تفك حصار» كانت بعض ما خطّه الشبان على هذه اللافتات.
يصدح صوت «يا طنطاوي عامل إيه، بايع غزة بربع جنيه» فيردد وراءه المتظاهرون الذين لبسوا «حطاتهم» السوداء والحمراء فيما برزت بضع كوفيات ملوّنة بين الجموع. وانصبّ غضب الشباب كلّه باتجاه الرئيس المصري حسني مبارك الذي نال نصيبه من الشتائم والإهانات: «حسني مبارك صبرك صبرك، طفل غزة حيفتح قبرك»، «شو مكتوب عصباطي، حسني مبارك يا واطي»، و«مصر يا أم الدنيا، أليست غزة من الدنيا».
وألقت ممثلة عن اللقاء كلمة مشتركة رفضت فيها دموع العمالة العربية وابتهالاتها، معتبرةً أنّ الوقفة اليوم هي «ضربة في جدار الصمت العربي». وشبّهت الكلمة معاناة الغزاويين اليوم بما عاناه اللبنانيون في حرب تموز «العدو نفسه، الطائرات الحربية نفسها، الموقف العربي نفسه، الموقف العالمي نفسه».
وأكد رئيس المجلس الوطني في اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني عربي العنداري وهو أحد منسقي الاعتصام أنّ هناك قراراً بتحركات عدة لكسر الصمت والتخاذل العربي ويمكن توجيه هذه التحركات إلى سفارات أخرى غير السفارة المصرية حتى الوصول إلى السفارة الأميركية في عوكر.
و..فجأةً، هجم شبان عدّة على السياج وسحبوه إلى الخلف. اندفع آخرون نحو قطعة أرض مجاورة للسفارة ليرشقوا هذه الأخيرة بالحجارة، فأعادتهم القوى الأمنية إلى وراء السياج، فما كان منهم إلا أن تحوّلوا إلى رشق عناصرها. هنا عمدت قوى الدفاع المدني إلى رش المتظاهرين بالمياه وتطايرت القنابل المسيّلة للدموع لتحطّ بين الجموع المحتشدة، ما أدى إلى حالات إغماء عدّة. لكن هذا لم يحبط المتظاهرين الذين عمد بعضهم إلى «ردّ» إحدى القنابل رشقاً باتجاه الأمن، ودعموها بكمية من الحجارة استمروا في رشقها على القوى الأمنية، فما كان من هؤلاء إلا أن ..أعادوها بدورهم إلى المتظاهرين، وقد وقع جرّاء هذا القصف المتبادل عشرة جرحى كان من بينهم الزميلة في جريدة السفير زينب ياغي.
توقّف «الشغب» قليلاً. فحاول الضابط المسؤول أن يهدئ الوضع. فطلب ممن رأى أنهم أكبر سناً من غالبية المتظاهرين، أن يقنعوهم «يروقوا شويّة». لكنّ أحد الشبان تلاسن مع عنصر من قوى الأمن. فما كان من هذا الأخير إلا أن نظر إلى «الأكبر سناً» قائلاً «بعد كلمة وبقوصو»! ما دفع الشاب إلى الرد «شوفنا نحنا كيف منقوص» لكن «الأكبر سنّاً» قام بإبعاده قبل أن يتاح للاثنين أن «يفرجيا بعض».
وبعد عودة اليساريين إلى مكان اعتصامهم المفتوح في الإسكوا، بقي في محيط السفارة عدد من الشبان اللبنانيين والفلسطينيين الذين أتوا من محيط صبرا وشاتيلا واستمرّوا في رشق السفارة والقوى الأمنية بالحجارة. وكان أحد المتظاهرين اليساريين أوضح أنّ القرار باقتحام السفارة يعود لأسباب إيديولوجية هي «محاربة الرجعية العربية بكلّ أشكالها». وأكد الشابّ الذي فضّل عدم البوح باسمه، أنّ بعض المتظاهرين الذين شاركوا اليساريين في محاولة الاقتحام هذه كانوا يردّدون شعارات مذهبية وعنصرية بحق الشعب المصري، وهذا أمر غير مقبول ما دفع اليساريين إلى التراجع. وكان بعض الشبان الذين دخلوا على خط التظاهرة على متن دراجاتهم النارية، رددوا، وهم يحاولون اقتحام الطوق الأمني المحيط بالسفارة، أنّهم يردّون على ما حصل في ثكنة مرجعيون (!). فما كان من اليساريين الذين شكّوا في الجهة التي يتبعها هؤلاء، إلا أن تراجعوا، وخصوصاً أن «الدرّاجين» كانوا يردّدون «جيبوا الشاي للشباب» متوجهين إلى قوى الأمن الداخلي.
بعيد الثالثة والنصف، نفّذ رجال الأمن «هجوماً» على بقية المتظاهرين، فتراجع هؤلاء باتجاه منطقة الطريق الجديدة، قبل أن يتمكنوا من إقفال الطريق المتجهة من الكولا إلى المطار بالإطارات المشتعلة، لكن القوى الأمنية استطاعت أن توقفهم وتعيد فتح الطريق.
واستمر الشبان، الذين لم تكن لهم قيادة موحدة، بمحاولة الهجوم لخرق الطوق الأمني حول مبنى السفارة المصرية. في هذه الأثناء حاول أفراد من قوى الأمن الداخلي إلقاء القبض على جريح في سيارة إسعاف تابعة لجمعية التقوى الإسلامية، وحصل تضارب في الآراء بين الضباط أدى إلى إبقاء الجريح في السيارة التي نقلته إلى المستشفى.
ثم، استقدمت قوى الأمن الداخلي ثلاث سيارات لمكافحة الشغب، بعدما كانت قد وصلت إلى المكان قوة من فوج التدخل الرابع في الجيش، لتفصل بين القوى الأمنية والمتظاهرين. فانتقل بعض المتظاهرين إلى المباني القريبة لرمي الحجارة على القوى الأمنية ما أدى إلى إصابة عنصر من الجيش بحجر في رأسه.
وبعد تراجع عدد من المتظاهرين نحو الطريق الجديدة رمت القوى الأمنية أكثر من ثلاثين قنبلة مسيّلة للدموع باتجاه أحد شوارع المنطقة مما أدى إلى حالات اختناق بين السكان.
وقد اعتقلت القوى الأمنية أربعة أشخاص من المتظاهرين، فيما أكد شهود عيان أن أحد العناصر الأمنية صفعهم على وجوههم. ثم ما لبثت القوى الأمنية أن أفرجت عن اثنين ممن اعتقلتهم ما أدى إلى رواج أخبار بين المتظاهرين أنّ الأمن أفرج عن اللبنانيين واستبقى الفلسطينيين المستهدفين.
كما تحركت قوة من مكافحة الشغب من دون أوامر، فبدأ الضابط بالنداء عليهم «شغب شغب».
ساحة الإسكوا
من جهة ثانية، مثّلت ساحة الإسكوا مساحة لتلاقي كل من حركتي فتح وحماس عبر اعتصامين منفصلين سرعان ما توحّدا في اعتصام واحد جمع المئات من أنصار الأحزاب اللبنانية والفلسطينية.
فعند الحادية عشرة صباحاً وصل الى ساحة الإسكوا عدد من أنصار الجماعة الإسلامية التي دعت إلى الاعتصام يرافقهم مناصرون لحركة حماس. وانضم لاحقاً إلى المحتشدين اعتصام آخر نظمته «الحملة الأهلية لنصرة العراق وفلسطين» بمشاركة عدد من ممثلي الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية ونواب حاليين وسابقين وشخصيات دينية وفعاليات اجتماعية. وطالب المعتصمون الدول العربية بالتحرك ووقف تعاملها مع العدو وتغطية العدوان. كما انضمّت إلى الاعتصام مسيرة نظّمها «المؤتمر الشعبي اللبناني» انطلقت من أمام مقره في برج أبي حيدر، سالكة طريق سليم سلام نزولاً إلى محيط مبنى الإسكوا.
وحمل المتظاهرون الأعلام الفلسطينية واللبنانية ورايات حزبية وصوراً لعدد من القادة الفلسطينيين والرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولافتات أكدت «حتمية انتصار غزة والمقاومة على العدوان الصهوني»، وطالبت «بعمل عربي فاعل في مواجهة آلة الإرهاب والقتل الصهيونية».
وقد ردّد المعتصمون هتافات التنديد بالصمت العربي الرسمي وشعارات التضامن مع الغزاويين، ولم تخلُ الهتافات من الشعارات الحزبية، وخصوصاً أثناء إلقاء ممثل منظمة التحرير الفلسطينية عباس زكي لكلمته، إذ بادر جمهور فتح إلى الهتاف بحياة الرئيس الفلسطيني أبو مازن، ما استدعى الرد من جانب أنصار حماس وبقية القوى الإسلامية الذين رفعوا أيديهم للأعلى وهتفوا «الله أكبر ولله الحمد». وتوالى على الكلام خلال الاعتصام كل من أسامة حمدان باسم حركة حماس، وأبو عماد رامز باسم تحالف القوى الفلسطينية وهاني سليمان باسم الحملة الأهلية.
وإلى جانب المعتصمين، كان الرفاق والرفيقات من الحزب الشيوعي اللبناني و«اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني» لا يزالون يفترشون الأرض على أحد جوانب «حديقة جبران» منذ ليل السبت. إذ قرر الشباب تحويل نشاطهم إلى اعتصام مفتوح يواجه مبنى «الإسكوا» تنديداً بالصمت العربي والدولي إزاء ما يحصل في قطاع غزة. وسيقرر الرفاق والرفيقات كل ليلة جدول نشاطاتهم لليوم التالي.
وليلاً حاول عشرات من الشبان والشابات المستقلين وبمبادرة فردية، أن ينظّموا اعتصاماً عفوياً أمام السفارة الأميركية في عوكر فمنعهم الجيش اللبناني المولج بحماية السفارة. وقام عناصر من الجيش باحتجاز الشباب في أحد المواقف القريبة من السفارة وأخذوا هوياتهم ولم يطلقوا سراحهم إلا بعدما طلبوا منهم عدم العودة بلغة تهديدية. وأوضح لهم أحد العناصر الأمنيين أنّه يلزم ترخيص لأي تظاهرة، وأنّه ممنوع منعاً باتاً التظاهر في محيط السفارة الأميركية.
وتستمر التحركات والنشاطات التضامنية مع غزة اليوم، إذ سيعتصم «لقاء الهيئات والمنظمات الشبابية اليسارية اللبنانية والفلسطنية» أمام مقر جامعة الدول العربية في جادة سامي الصلح في الثالثة من بعد الظهر. كما تجري اتصالات مع منظمتي «الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر» لبحث إمكان إيصال دم إلى غزة بعد تخصيص يوم للتبرع به.
من جهة ثانية، تنظّم مجموعات طلابية تحت عنوان «غزة أمّ الدنيا» مخيماً مفتوحاً بدأ أمس أمام مسرح المدينة في شارع الحمرا لدعم المقاومة في فلسطين. ويستقبل المخيم التبرعات العينية إلى جانب إقامته عدداً من النشاطات الإعلامية والفنية الشبابية.


كيف نميّز بين الميليشيا والشرطة؟«اتركوه» قال مسلّح آخر يلبس معطفاً أسود لعناصر أمنيين مدجّجين بالسلاح يرتدون سترات مطبوعاً عليها «شعبة المعلومات» كانوا يحيطون بأحد الصحافيين. الرجل الذي كان يتصرّف بتكبّر لافت، استجوب صحافيّاً عن سبب التقاطه عدداً من الصور ثم أجرى اتصالاً هاتفياً طويلاً قرر بعده «تركه».
القانون لا يذكر وجود «شعبة معلومات» في قوى الأمن. هؤلاء العناصر يُعدّون إذاً منتحلي صفة أمنية لا يحق لهم التعاطي مع المواطنين. أمّا الرجل بالمعطف الأسود الذي قيل إنّه «ضابط»، فيصعب على المواطنين التمييز بينه وبين قائد عصابة أو ميليشيا.