صيدا ـ الأخبارأعادت غزة ومأساتها الحيوية والزخم إلى الشارع الصيداوي بكل تلاوينه، والتضامن معها لم يقتصر على القوى السياسية والحزبية فقط. فالعديد من الناس غير المتحزبين رفعوا الأعلام الفلسطينية على شرفات منازلهم، وأينما جُلتَ في شوارع المدينة ترَ الكوفية على صدر الشباب.
مساء أمس نفذ المئات من الصيداويين، ولا سيما من مناصري التنظيم الشعبي الناصري والحزب الديموقراطي الشعبي ومجموعات إسلامية اعتصاماً عند ساحة النجمة بالقرب من مبنى البلدية، وتخلله هتافات «قاصفة لعمر» الحكام العرب، والحصة الكبيرة منها خصّ بها الملك السعودي «يا عبد الله دق الكاس وبغزة بيموتوا الناس» و«يا خادم الحرمين إشرب نخب الأمريكان». كما خص المعتصمون شيخ الأزهر بوابل من الهتافات «قولوا لشيخ الأزهر بغزة الشعب ما بيقهر». الرئيس المصري بدوره ومعه الملك الأردني نالا نصيبهما أيضاً «يا مبارك يا حقود إفتح معابرك والحدود» و«مبارك وعبد الله بن الحسين باعوا فلسطين بفرنكين». لكن في جعبة «الرفاق» الكثير مما سيقولونه اليوم في المسيرة التي ستنطلق عصراً وتجوب شوارع المدينة. وتزامن الاعتصام مع احتفال جماهيري حاشد داخل البلدية للمقاومة الإسلامية ـــ قوات الفجر إحياءً لذكرى شهدائها. بدت الصورة بين خارج البلدية وداخلها تنسيق أدوار، إذ إن مَن في الخارج من المعتصمين راحوا يلعنون أنفاس حكام مصر والسعودية والأردن، بينما خطباء الاحتفال يناشدون إيران لأخذ الدور في المعركة داخل غزة، فيدعوها رئيس جبهة العمل الإسلامي، فتحي يكن، إلى أخذ المبادرة وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، لأن العرب دورهم فقط التآمر وتغطية العدوان، بينما الشيخ ماهر حمود يقول: «لا يوجد من يناصر فلسطين والمقاومة إلا طهران». وأضاف: «المقاومة تحتاج إلى سقف، وأقول إن السقف السعودي لا ينفع، بينما السقف الإيراني هو الوحيد الذي يحمل لواء الجهاد وصولاً إلى سوريا».
وعلى صعيد التنسيق والتحضير للأنشطة، انشطرت صيدا، كالعادة، بين لقاء تشاوري في بلدية صيدا بدعوة من رئيس البلدية عبد الرحمن البزري وبحضور النائب أسامة سعد وممثلين عن أحزاب المعارضة، في وقت كانت فيه دارة وزيرة التربية والتعليم العالي، بهية الحريري في مجدليون تشهد لقاءً مماثلاً لفاعليات وهيئات صيداوية بمشاركة عدد من القوى الفلسطينية.
ولقد خصص اللقاءان للتشاور في الخطوات الواجب اتخاذها من أجل دعم صمود أبناء غزة، وإقرار سلسلة تحركات صيداوية. وصدر عن اللقاء التشاوري في البلدية مجموعة من التوصيات، بينها دعوة لأبناء صيدا والمنطقة لأوسع مشاركة في كل النشاطات والتحركات المقررة، وإعلان الحداد العام في المدينة ورفع الرايات السوداء، وتأليف لجنة متابعة للتنسيق بين كل القوى والفاعليات في المدينة ومنطقتها.
وفي مجدليون، أعلنت الحريري إطلاق حملة تبرعات على صعيد مدارس لبنان بعد عطلة الأعياد بعنوان «من أطفال لبنان إلى أطفال غزة». وخلصت الحريري إلى القول: ليس جديداً على صيدا أن تتحرك عندما تتألم غزة وفلسطين، فجرح غزة وجرح فلسطين هو جرح صيدا، ونحن في صلب كل تحرك تشهده المدينة، وسنشارك بفاعلية فيه». وتحدث في اللقاء رئيس جمعية تجار صيدا وضواحيها علي الشريف، وممثل متروبوليت صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران إيلي حداد، الأرشمندريت نقولا صغبيني، والمسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في الجنوب بسام حمود الذي دعا إلى إقامة مجلس للتعازي والتبريكات بشهداء غزة في دار الفتوى. كذلك أعلن أمين سر لجنة المتابعة الفلسطينية، عبد مقدح، أن القوى الفلسطينية توحدت بالأمس دعماً لأهلنا في غزة، داعياً إلى أن ينسحب ذلك على مدينة صيدا. واقترح رئيس مستشفى الجنوب، الدكتور وهبة شعيب، إرسال وحدات من الدم لإسعاف الجرحى في غزة وفتح مستشفيات صيدا أبوابها للتبرع باستقبال الجرحى ومعاينتهم، وإرسال أطباء وجراحين إلى مصر لإسعاف الجرحى. كذلك تحدث كل من ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، قاسم صبح، ومسؤول حركة حماس في منطقة صيدا، أبو أحمد فضل، ودعوا كل فاعليات صيدا ومؤسساتها إلى التضامن بموقف موحد مع غزة، والتعبير عن هذا التضامن بأوسع مشاركة في المسيرة التي ستشهدها المدينة اليوم.
وكان مخيم عين الحلوة قد استعاد منذ لحظة بدء العدوان على غزة، شيئاً من روحه التي كاد يفقدها في وحل الانقسامات والمعارك الهامشية داخل المخيم. وحّد الدم الغزاوي الأطياف الفلسطينية، فبعد ساعة واحدة على بدء العدوان، خرجت عين الحلوة: عناصر الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين يضرمون النار في الشارع التحتاني من المخيم، بينما عناصر فتحاوية تقطع الطريق الفوقاني. كتلة سوداء تلف سماء المخيم تشبِّهها مريم الموعد وهي تكفكف دموعها «بأيامنا الفلسطينية التي تبقى سوداء بفعل المؤامرة العربية».