300 شهيد وألف جريح يفتقدون العلاجغزة ـــ قيس صفدي
ما قبل تاريخ السبت 27 كانون الأول 2008، هو بالتأكيد مختلف عمّا سيكون عليه ما بعد هذا الموعد الأحمر في فلسطين والعالم بأسره. لم يمر سوى يومين، وقد بلغ عدد المنضمّين قسراً إلى قافلة شهداء آلة القتل الإسرائيلية، أكثر من 300 رجل وامرأة وطفل و1000 جريح، 180 منهم في «حالة خطر شديد»، ما يؤشر إلى احتمال ارتفاع أعداد الشهداء في الساعات المقبلة. كل ذلك في ظلّ ضآلة الأدوية، وقدرة متناقصة لمستشفيات القطاع على معالجة مئات الزوار الطارئين.
وفي ثاني أيام «المجزرة الكبرى»، أبقت قوات الاحتلال على غاراتها الجوية، وإن خفت وتيرتها، مستهدفة ما بقي من مواقع ومقارّ تابعة لحكومة «حماس»، ومساجد ومنازل ومنشآت مدنية.
واستشهد أمس، أكثر من 60 فلسطينياً، جلّهم من عناصر «حماس» متأثرين بجراحهم، بينما لا تزال الطواقم الطبية تبحث عن الأشلاء تحت أنقاض الأهداف المدمرة التي وصل عددها إلى 230 هدفاً وصفتها تل أبيب بأنها «تابعة لحركة حماس».
وحوّلت طائرة حربية بصاروخين أمس مقرّ مجلس الوزراء في حي تل الهوا في غزة، إلى كومة من الركام، وتولّت أخرى قصف مجمع الأجهزة الأمنية المعروف باسم «السرايا» وسط مدينة غزة.
وخيمت رائحة البارود والدخان على هواء غزة، التي بدت في حال «شلل» كامل، حيث فضّل الغزاويون التزام منازلهم، فيما أغلقت المؤسسات والمحال التجارية أبوابها.
وعمّت حال من الحزن والغضب الشديدين مسيرات تشييع مئات الشهداء، وصدحت حناجر المشيعين برفض العودة إلى التهدئة، والتعهّد بالرد على الاحتلال بحجم جرائمه المتواصلة. وسلب دوي الانفجارات المتتالية النوم من عيون الغزاويين، الذين هجر كثير منهم منازلهم القريبة من مواقع ومؤسسات تتبع لـ«حماس»، بحثاً عن أماكن أكثر أمناً في مساحة ضيّقة يغطيها الموت من كل جانب.
أحوال مستشفيات غزة كارثية، إذ إنها تواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع الجثث وإسعاف الجرحى، من جراء اكتظاظ ثلاجات الموتى، ونفاد أصناف كثيرة من المواد والمستلزمات الطبية.
وفي رد غير مباشر على اتهام وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط لـ«حماس» بمنع الجرحى من الوصول إلى معبر رفح للعلاج في مستشفيات مصر، قال وزير الصحة في حكومة «حماس»، باسم نعيم، إن «مصر لم تبلغنا رسمياً بفتح المعبر»، مضيفاً في الوقت ذاته إن «جرحى الغارات الهمجية في أوضاع صعبة لا تسمح بنقلهم مسافة 700 كيلومتر» تفصل غزة عن القاهرة.
واجتاز نحو ٥٠٠ فلسطيني، الحدود بين مصر والقطاع، هرباً من حمم الصواريخ التي استهدفت أنفاق التهريب القريبة من بوابة صلاح الدين في مدينة رفح، جنوبي القطاع. أنفاق نالت حصتها من الغارات الدموية، إذ بلغ عدد ما دُمّر منها 40 نفقاً حدودياً بحسب مصدر عسكري إسرائيلي. وتصدّت قوات الأمن المصرية بإطلاق النار على فلسطينيين دفعهم الخوف إلى اجتياز الحدود، فوقع عدد منهم جرحى، بحسب مصدر محلي في رفح. وأفصح المصدر، لـ«الأخبار»، عن أن عشرات الفلسطينيين يدفعهم الغضب، تمكنوا من الاستيلاء على أسلحة جنود مصريين، والسيطرة على مواقع أمنية مصرية حدودية، في تصرف وصفته مصادر حكومية مصرية بأنه «اجتياح».
وأفادت أجهزة الأمن المصرية ومصادر طبية أن ضابط شرطة مصريّاً قتل وأصيب آخر برصاص أطلق عليهما من الجانب الفلسطيني لمعبر رفح. وأفادت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية أن عناصر من حركة «حماس» أطلقوا النار تجاه الجانب المصري من معبر رفح ما أدى إلى مقتل هذا الضابط واسمه ياسر فريج عيسوي من قوات حرس الحدود المصرية. وأضافت إن منفذ رفح البري أغلق وانتشرت تعزيزات أمنية في المنطقة.
وشملت الغارات الإسرائيلية أهدافاً مدنية، من مقر بلدية بيت حانون، والمقرّ الرئيس لفضائية «الأقصى» التابعة لـ«حماس» في حي النصر في شمالي القطاع، ونادي خدمات جباليا الرياضي، والمقر المؤقت لمحافظة رفح، وديوان يتبع لعائلة العشي وسط مدينة غزة، وجمعية النور شمال غزة، إلى مسجد الشفاء، ومنازل سكنية ومخيم جباليا، ومصنع للبلاستيك في مدينة خان يونس جنوب القطاع، وورش حدادة في غير منطقة في القطاع.
وأشار عدد من سكان غزة، إلى أنهم تلقوا اتصالات إسرائيلية على هواتف منازلهم الثابتة، تحذّرهم من أنه سيُقصف المنزل الذي يحتوي على أسلحة.
وفي ردّ المقاومة، أطلقت «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لـ«حماس»، صاروخين سقطا في مدينة أسدود (تبعد نحو 33 كيلومتراً عن الحدود الشمالية للقطاع)، وذلك تنفيذاً لإعلانها توسيع عمليتها «بقعة الزيت» رداً على العدوان الإسرائيلي. وأقرت مصادر الاحتلال بسقوط صاروخ في بلدة «غان يافني» قرب مرفأ أسدود، مشيرةً إلى أنها المرة الأولى التي يصل فيها صاروخ ينطلق من غزة إلى هذا العمق، لكنها ادّعت عدم وقوع إصابات أو أضرار.
كما اعترفت مصادر الاحتلال بسقوط عدد من الصواريخ الفلسطينية المحلية الصنع، وصواريخ «غراد» روسية الصنع، على مشارف مدينة عسقلان. وقدرت المصادر الإسرائيلية أن فصائل المقاومة أطلقت نحو 80 صاروخاً على أهداف وبلدات إسرائيلية، منذ بدء الغارات الجوية ضد «حماس» في غزة.


«الرصاص المصهور»وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن بنك الأهداف الخاص بالعملية أعدّته سابقاً «الشاباك» والاستخبارات العسكرية وقيادة المنطقة الجنوبية. وتفاخرت مصادر عسكرية إسرائيلية بأن الهجمات «حققت 98 في المئة من الأهداف المحددة»، مشيرة إلى أن القصف أضرّ بـ«حماس» وبنيتها العسكرية، إضافة إلى سلسلة القادة القادرين على إدارة المواجهة مع إسرائيل.
(الأخبار)