حذّر من تعزيزات إسرائيليّة على الحدود دفعت المقاومة إلى إعلان الجهوزيّةوجّه السيد حسن نصر الله، أمس، تحذيراً شديد اللهجة إلى القاهرة لفتح معبر رفح، وإلا اعتُبرت شريكة في الجريمة الإسرائيلية على غزة، داعياً ضباط مصر إلى الضغط على سلطاتها السياسة لتحقيق هذه الغاية، وكاشفاً في الوقت نفسه عن تعزيزات إسرائيلية على الحدود مع لبنان، لم يستبعد أن تكون لغايات عدوانية
شدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس، على الدور المركزي الذي من المفترض أن تؤدّيه مصر في المساهمة بانتصار المقاومة في غزة على العدوان الإسرائيلي، من خلال فتح معبر رفح باستمرار، موجهاً كلاماً غير مسبوق إلى النظام المصري الذي اتهمه بأنه «سيكون شريكاً في العدوان والقتل والحصار إذا لم يفتح المعبر».
وبدا نصر الله، أمس، مصرّاً على وصف إسماعيل هنية بـ«رئيس الحكومة الفلسطينية الشرعية»، فضلاً عن كشفه عن أن المقاومة في الجنوب رفعت جهوزيتها تحسّباً لعدوان إسرائيلي على لبنان.
وقال نصر الله في كلمة ألقاها في الضاحية الجنوبية لمناسبة بدء إحياء الليلة الأولى من ليالي عاشوراء، إن العدوان الإسرائيلي على غزة هو في إطار المشروع الأميركي ـــــ الإسرائيلي الذي يريد فرض تسوية وفقاً لشروطه على الشعب الفلسطيني ولبنان وسوريا. ورأى أن ما يجري هو «تكرار جديد لكربلاء»، حيث «هناك فئة متمسكة بعزتها وبحقوق أمتها ترفض الخضوع والذل والاستسلام للطغاة والظالمين، وعندما توضع أمام الاستسلام المهين أو المواجهة غير المتكافئة، فإنها تختار خيار المقاومة والاستشهاد. هذه الفئة التي تحاصر بالجوع والعطش ويجري ترهيبها بالتهديد لا تتراجع». وفي هذا الإطار، أشار نصر الله إلى موقف «رئيس الحكومة الفلسطينية الشرعية الأخ إسماعيل هنية الذي خرج من بين الدمار ليقول إنهم لو أبادوا أهل غزة جميعاً فإننا لن نستسلم».
وفي السياق ذاته، قال نصر الله إن العدوان الإسرائيلي على غزة هو «نسخة طبق الأصل عما حصل في حرب تموز» 2006، «فالمعركة هي نفسها والتواطؤ هو نفسه والنتيجة إن شاء الله ستكون نفسها». وأضاف أن «ما يجري في غزة كما في لبنان، هو أن هناك مشروعاً أميركياً في المنطقة يريد فرض تسوية مذلّة على بقية العرب بعد خروج مصر والأردن وعقدهما اتفاقيات ما يسمّى سلاماً مع إسرائيل. والأميركيون والصهاينة يريدون تسوية الوضع بفرض شروط أميركية إسرائيلية على اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. ويجري العمل على فرض هذه الشروط بالقوة من خلال الضغط والعزل والحصار، ومن خلال إحداث فتن داخلية لتوريط حركات المقاومة، ومن خلال الحرب النفسية، ومن خلال الحروب والاغتيالات».
وقال الأمين العام لحزب الله إنه سيتكلّم «بصراحة عن بعض الأنظمة العربية»، وإنه سيسمّي الأمور بأسمائها، متهماً بعض الأنظمة العربية بأنها شريكة في المشروع الأميركي، «وخاصة الأنظمة التي وقّعت معاهدات سلام مع إسرائيل، وهي تعمل أمنياً وثقافياً وبكل إمكاناتها لفرض ظروف الاستسلام على بقية الممانعين للمشروع الأميركي ـــــ الصهيوني». وأضاف أن «هناك شراكة وتواطؤاً على ما يجري في المنطقة، وحرب 2006 كانت بموافقة تلك الأنظمة، وفي بعض الأحيان كانت بمطالبة عربية. وتلك الأنظمة لم تجرؤ على نفي ما قاله الصهاينة بهذا الخصوص، لأنهم ربما يملكون وثائق. واليوم، سمعنا بعض الإسرائيليين يقولون إن حجم الدعم الذي حصلت عليه إسرائيل للهجوم على غزة يفوق ما حصلت عليه عام 2006 ضد لبنان.
هؤلاء العرب يطالبون إسرائيل بأن تقضي على حماس والجهاد وأن تقطع رؤوس المقاومين». واتهم نصر الله الأنظمة العربية ذاتها بتمويل وتسليح الانقسام الداخلي بين الفلسطينيين، قبل أن يؤكّد أن لا أحد طلب «من الأنظمة العربية فتح الجبهات، لكن من الطبيعي المطالبة بموقف إعلامي وسياسي منصف. لكننا نجد مجدداً، كما في حرب تموز، أن هناك من يحمّل الضحية المسؤولية».
وأشار نصر الله إلى تصريح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، أول من أمس، قائلاً: «أمس سمعنا مسؤولاً مصرياً يحمّل حماس مسؤولية ما يحصل في غزة، وهل يمكن أن يصدّق إنسان أنّ كلاماً من هذا النوع يصدر عن مسؤول عربي. كأنه كان مطلوباً من حماس أن توافق على التمديد لتهدئة الحصار والتجويع التي كانت تمارس عليهم». وانتقد نصر الله بعض القنوات الفضائية العربية «التي يمكن تسميتها العبرية بدل العربية، والتي تتحدث كأن الذين قتلوا في غزة، أمس، قتلوا في حادث سير في الهند، وهي تصرّ على تسمية الشهداء أنهم قتلى».
ورأى نصر الله أن الأمة أمام هدف مركزي اليوم هو وقف العدوان ومنعه من تحقيق أهدافه، مشيراً إلى أن هذا الهدف ليس مسؤولية أهل غزة وحدهم، بل هو مسؤولية الشعوب والحكام في العالمين العربي والإسلامي، ومؤكداً أن الحكومات النفطية العربية قادرة على وقف العدوان، وخاصة في ظل الأزمة المالية العالمية التي تشغل أميركا وأوروبا. ثم توجه إلى الشعوب العربية والإسلامية قائلاً إنه «لا يجوز أن تتذرع الأنظمة بعجزها وأن تتذرع الشعوب بقمع الحكام»، ليطالب الشعوب بأن تخرج «ولو تحت الرصاص لتطالب النظام المصري بفتح معبر رفح ليصل الغذاء والدواء والماء والسلاح لغزة».
ورأى نصر الله أن الدور المحوري في معركة غزة يجب أن تؤديه مصر، لا أن تتحول من «أم الدنيا إلى هلال أحمر»، «والمطلوب من النظام المصري ألا يستغل الحرب للضغط على حماس وعلى حركات المقاومة في غزة لقبول الشروط الإسرائيلية، بل يجب أن يساعد أهل غزة على إيقاف الحرب من دون قيد أو شرط». وشدد على أنه لا يطالب مصر بخوض حرب ضد إسرائيل، «بل أن تفتح المعبر فقط، ونهائياً، وللأحياء لا للشهداء والجرحى»، مشيراً إلى أن حزب الله أقرّ لسوريا «بمشاركتها في انتصار تموز لأنها لم تقفل الحدود، بل تركتها مفتوحة رغم استهداف المعابر بالغارات». وتوجه نصر الله إلى المسؤولين المصريين مباشرة بالقول: «حتى الآن كنا نتكلم بلياقة ونتحدث عن مناشدة، ولكن بعد الذي جرى أمس نقول للنظام المصري: إن لم تفتحوا معبر رفح وتنجدوا الفلسطينيين فأنتم شركاء في الجريمة والقتل والحصار». وطالب الشعب المصري بفتح «المعبر بصدوركم». مضيفاً «أنا أتحدث من موقع الانتساب إلى المقاومة وإلى الشعب الذي قاوم إسرائيل 33 يوماً وقدّم الشهداء».
كذلك خاطب الأمين العام لحزب الله «ضباط وجنود القوات المسلحة المصرية الذين نعرف أنهم ما زالوا على أصالتهم العربية وعداوتهم للصهاينة رغم مرور عشرات السنين على اتفاقية كامب ديفيد. وأنا لا أدعو لانقلاب في مصر، لكنني مع أن يأتي الضباط إلى القيادة المصرية ويقولوا لها إن شرف بزاتنا العسكرية والنجوم التي على أكتافنا تأبى أن نكون حرساً لحدود إسرائيل فيما يقتل الفلسطينيون في غزة». ورأى نصر الله أن فتح معبر رفح سيؤدي إلى تكرار «ملحمة الانتصار التي حصلت في لبنان، ونحن على ثقة بذلك. وإذا صمدت غزة لأيام أو لأسابيع، فسيتوقف العدوان. فهذا العدو لا يطيق حرب استنزاف، وسيضطر في نهاية المطاف إلى أن يوقف عدوانه».
ووصف نصر الله التسوية السياسية بالتنظير الذي لم يُعد أياً من الحقوق، رغم ذهاب السلطة الفلسطينية بعيداً في المفاوضات مع إسرائيل. وقال إن المجتمع الدولي والقرارات الدولية والتضامن العربي لا تحمي أحداً، مؤكداً أن «المقاومة تحمينا وتعيد حقوقنا، أما الخيارات الأخرى فهي وهم». وتساءل عما إذا كان العالمان العربي والإسلامي بحاجة إلى المئات من المجازر التي حصلت في قانا وغزة ودير ياسين لتحصيل هذا الوعي، مع أن «العدو يقدّم في كل عام أو عامين دليلاً جديداً على عنصريته وإجرامه، ولم يقابل دعوات السلام إلا بمزيد من القتل».
وفيما أكّد نصر الله أنه «على ثقة بأن أهل غزة هم أهل إيمان بالنصر الإلهي، وهم أهل الحضور في الميدان وأهل الكرامة والإباء، وهذه العوامل هي التي تجلب النصر والأمة كلها مسؤولة أن تقف إلى جانب غزة ولا يجوز لأحد أن يتخلّف عن نصرتكم»، أشار إلى التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزير دفاعه إيهود باراك ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني منذ بداية العدوان على غزة لأي جبهة أخرى، وإلى حديثهم عن اتخاذ إجراءات على الحدود، قبل توجيه تعليمات إلى سكان المناطق الشمالية لتجهيز ملاجئهم.
ورأى نصر الله أن هناك احتمالاً لأن تكون التهديدات والإجراءات المذكورة مجرّد «إجراءات وقائية». لكن الاحتمال الآخر الذي قال إن واجبه التحذير منه هو «أن يكون في هذا التوقيت السيّئ وفي ظل تواطؤ الأنظمة العربية وفي ظل فراغ دولي والفراغ في القرار الأميركي بين رئاستي بوش وأوباما، هذا الاحتمال هو أن يلجأ العدو إلى عدوان ما باتجاه لبنان ليستغل هذه الفرصة، ولكي يرمم صورة الردع لدى جيشه. ولذلك، لا يجوز الاطمئنان إلى من يقول إن إسرائيل لا تقاتل على جبهتين، بل إن ذلك يجب أن يدعو الجيش والحكومة والمقاومة إلى الانتباه والحيطة». وكشف نصر الله أنه أعطى توجيهات للمقاومين في الجنوب لرفع الجهوزية لمواجهة أي عدوان، وأشار إلى «قضية الصواريخ الثمانية التي اكتشفت في الناقورة قبل بدء الهجوم على غزة»، متسائلاً عن المستفيد من وضع هذه الصواريخ، ومتهماً من قال إن وجود هذه الصواريخ هو ذريعة للعدو بأنه هو من يقدم ذريعة لإسرائيل. وأكد نصر الله أن المقاومة لا تخجل من الإعلان عن أيّ من أعمالها، منتقداً رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع من دون أن يسمّيه، ومستهزئاً من قوله إن حزب الله هو الجهة الوحيدة القادرة على التحرك في الجنوب.
وفي ختام كلمته، دعا نصر الله إلى المشاركة في تجمّع في الضاحية الجنوبية لبيروت، عند الثالثة من بعد ظهر اليوم، «للمشاركة في الحداد، ولتأبين شهداء غزة».
(الأخبار)