طرابلس ـــ عبد الكافي الصمد«ألغينا من برنامج حياتنا حالياً الاحتفال بأي مناسبة حلوة، ما في نَفَس» تقول أم فراس عيسى (43 عاماً) وقد امتلات عيناها بدموع التأثر لتردف «كيف يمكن أن نفعل ذلك وإخوان لنا يقتلون ويذبحون بلا رحمة في غزة؟».
تعيش أغلب نساء مخيم البداوي مأساة أهلنا في فلسطين كأنها تحصل فوق رؤوسهن. حداد عام غير معلن في الحياة اليومية و«خربطة» من حيث لا يدرين لبرنامج حياتهن اليومي. «المناسبات التي ألغيناها كثيرة. لم يعد باستطاعتنا أن نفرح؛ حتى الطعام الذي نحضره بتنا نتقشف فيه، فلم يعد بإمكاننا أن نأكل ونشرب بينما إخوان لنا يتضورون جوعاً»، تقول أم فراس شارحة انعكاس ما يجري في غزة على حياتها وأفراد أسرتها.
تتابع أم فراس ما يجري بدقة، وهي ترى أن «ما يجري مأساة حقيقية ومحرقة جديدة، لكنها لشعبنا، نتابع ما يجري عبر التلفزيون على مدار السّاعة، فالصراع يدور بين مشروعين، وأحدهما سيُقضى عليه لحساب المشروع الآخر».
هذه الاستفاضة في التعبير عن المشاعر لدى النساء حيال ما يجري في غزّة، يقابله كلام قليل لدى الرجال. محمود عودة (صاحب محل لصنع النحاس في المخيم) اختصر الموقف: «حالنا يدل على أحوالنا. فالمطلوب دعم غزة فعلياً، لا أن يكون ذلك مجرد كلام». لكنه تساءل: «لماذا يقطعون عنّا الكهرباء هذه الأيام، لكي لا نشاهد الجرائم التي ترتكب في غزة؟».
إلا أن محمد أبو عرب (عامل بناء، 46 عاماً) يتحدث عما يجري بعد تردد، فيقول: «ما أراه مؤامرة عربية قبل أن تكون إسرائيلية، والمشاهد التي نراها تذكرنا ببداية عدوان تموز على لبنان، لكن إن شاء الله سيكون النصر للمقاومة». ويضيف أبو عرب من موقع التحليل الاستراتيجي: «إذا نزل الإسرائيليون على الأرض في غزة «فسيأكلونها». كل ما يحدث لا يخيفنا، لأن المؤمن بربه والصابر والصامد سينتصر»، مشيراً إلى أنه «نتضامن مع أهل غزة من الموجود، بالتظاهرات والاعتصامات. لكننا لسنا راضين عن التضامن العربي، وخصوصاً الحكام الذين ليسوا معنا، لكن الشعوب العربية تتعاطف معنا، بس ما طالع بإيدهم
إشي».
يجلس ماهر عقلة (صاحب مقهى في المخيم) أمام التلفزيون طوال الوقت «ما يجري في غزة مجزرة ضد الإنسانية قبل أن تكون ضد الشعب الفلسطيني»، يقول، مضيفاً: «أمر طبيعي أن نتسمر أمام الشاشة. هذا ما يفعله كل فلسطيني وعربي ومسلم خارج وطنه، وخصوصاً أن ما نشاهده من قتل للأطفال والنساء
مفجع». «ليس في يدنا ما نفعله لأهل غزة أكثر من أن نتضامن معهم بالاعتصام والتظاهر، تأييداً ورفعاً لمعنويات المجاهدين القتالية»، يقول موضحاً عما يمكن أن يقوم أي فلسطيني في الخارج.
وأضاف عقلة: عن تأثير ذلك عليه وعلى الآخرين إنه «عند بدء نشرة الأخبار، أو إيراد خبر عاجل، يحتشد جمهور غفير من 40 شخصاً هنا لمشاهدة ومتابعة ما يجري من مشاهد القصف الإسرائيلي الذي لا يوفر مدرسة او مسجد او مراكز صحية وغيرها»، لافتاً إلى أن «هذه الأجواء تؤثر على نفسيات الشباب، الذين لم يعد لديهم «نَفَس» للعمل أو الدراسة، فالتفكير بالوضع في غزّة شلّ تفكير الجميع».


تضامن لبناني مشروط

غلب العنصر النسائي على الاعتصام المشترك الذي نفذته أمس مؤسسات المجتمع المدني اللبناني والفلسطيني أمام مكتب وكالة الأونروا في طرابلس، تضامناً مع غزة.
وقد ردد المشاركون هتافات مثل: «يا صهيوني يا محتل، بغزتنا رح تنذل»، و«غزة غزة مش للبيع، غزة غزة مش ح تضيع»، و«من نصر الله لحماس، الجهاد هو الأساس»، لكن المفارقة أن الهتافات عندما اتسع نطاقها لتطال الرئيس المصري ونعته بـ«العميل»، احتج بعض المشاركين اللبنانيين، ومنهم أعضاء في مجلس بلدية طرابلس، فتدخل المنظمون الفلسطينيون لوقفها، ما اضطر بعض الفلسطينيات للاحتجاج بقولهنّ: «يريدون الاعتصام أهلاً وسهلاً، لا أن يفرضوا علينا شو بدنا نحكي!».