منذ بدء عدوان غزة، لجأت الدعاية الإسرائيلية إلى التلويح بورقة الهجوم البري على غزة. الشارع الإسرائيلي، ممثّلاً بالجيش والإعلام والساسة، منقسم حول هذا الخيار، وسط معادلة واضحة: ممنوع تكرار تجربة لبنان 2006، ولا يمكننا فعل شيء من دون الدخول
مهدي السيد
يبدو تلويح إسرائيل بخيار الاجتياح البري لقطاع غزة محاولة مكشوفة لممارسة قدر أكبر من الضغط النفسي والإعلامي، وربما السياسي والعسكري، على قادة «حماس»، بهدف إخضاعهم للشروط والإملاءات الإسرائيلية. ولهذه الغاية، بدأت التقارير الإعلامية والمواقف الإسرائيلية تتحدث عن بدء الدبابات بتسخين محرّكاتها، وأُعلن عن قرار الحكومة استدعاء نحو 6800 جندي من الاحتياط، وخرجت تسريبات كثيرة تفيد بأن الهجوم البري بات على وشك الانطلاق.
في موازاة هذه الأجواء، كان النقاش يحتدم على الحلبة الإسرائيلية حول مسألتين: الأولى، تتعلق بحقيقة القرار الإسرائيلي بشأن شن الهجوم البري. والثانية، تتعلق بجدواه.
بشأن المسألة الأولى، ثمة عدد كبير من المراقبين ممن يعتقدون بأن التلويح بورقة الهجوم البري مجرد مناورة هدفها «ممارسة الحرب النفسية»، في مقابل مجموعة ثانية ترى عكس ذلك.
وبشأن القضية الثانية، فقد حذّر عدد كبير جداً من المراقبين والمحللين من مغبّة اللجوء إلى العملية البرية، ناصحين بضرورة الاكتفاء بالخيار الجوي، بينما ذهب قسم آخر منهم إلى تأكيد العكس، على قاعدة أنه لا بد من اللجوء إلى الخيار البري لحسم نتيجة المعركة.
واللافت هنا، أنّ كلتا المجموعتين تستند في موقفها إلى دروس حرب لبنان الثانية 2006، خاصة.
في جميع الأحوال، ثمة جملة من العناصر والمعطيات التي يمكن اعتبارها مرجّحة لكفة الخيارات، ويستدلّ بها كل طرف لتدعيم موقفه المؤيّد أو المعارض للهجوم البري؛ فأصحاب الرأي المؤيّد للهجوم يدعون إلى ضرورة الخروج من «وهم الاكتفاء بالعملية الجوية»، بحسب تعبير العميد في الاحتياط يعقوب عميدرور في صحيفة «إسرائيل اليوم». ويشير عميدرور إلى أنه ليس ثمة خيار أمام الدولة العبرية، إذا أراد قادتها الانتصار في الحرب، «سوى الاستعداد للعملية البرية الواسعة»، لافتاً إلى أن هذه هي كانت العبرة الأولى من الحرب مع حزب الله.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن الهدف الذي حدّدته تل أبيب لحملتها «لا يمكن تحقيقه من دون هجوم بري، وبالتالي، فإنّ التراجع عنه يُعتبَر وصفة مضمونة لفشل العملية». فشلٌ يشدد أصحاب هذه النظرة على أنه ستكون له تداعيات عديدة، تكتيكية واستراتيجية، وسيجعل «المواجهة المستقبلية» أصعب بكثير.
في المقابل، يُحذّر معارضو الهجوم البري من خطورته، بسبب جملة من العناصر، أهمها الثمن البشري الباهظ الذي يتوقع أن تدفعه إسرائيل من ناحية حياة جنودها. وتظهر هنا عقبة إضافية، هي الأحوال الجوية السيّئة التي من شأنها عرقلة الاجتياح البري الذي تجيد «حماس» مقاومته خلافاً للمواجهة الجوية.
ومن العناصر التي تدفع المعارضين للغزو البري إلى التشدد في موقفهم، يظهر غموض الهدف المرجو تحقيقه، وغياب «استراتيجية الخروج»، بمعنى أن الخطوة البرية ستُحتّم احتلال القطاع جزئياً أو كليّاً، وبالتالي تورّط إسرائيل في وحوله، وتحوّلها إلى قوة احتلال بجميع المعايير.
وبحسب المعلّق في «هآرتس» يوئيل ماركوس، فإنه «مع افتراض أنّ تحريك قوات المشاة نحو غزة ليس مناورة نفسية، فإنّ أحد الخيارات هو تقطيع أوصال القطاع إلى عدة مناطق، وأن يُترك في بعضها قوات محدودة لفترة محدودة، من أجل إتمام الأهداف التي لم يكن سلاح الجو قادراً على تحقيقها». ويضيف ماركوس أنّ دخول غزة والبقاء فيها سيجعل الجيش الإسرائيلي «هدفاً للعمليات كما كان في حرب لبنان الأولى».
وجهة نظر يوسي يهوشع، في «يديعوت أحرونوت»، فإن «المعضلة التي تقف أمام الجيش هي بين الدخول (إلى غزة) الآن في ظل إدراك الثمن الكبير الذي سنتكبّده في حياة جنودنا، والتوجه نحو الإنهاء السريع للحملة»، بما أن «صور مجنزرات أو دبابات تُصاب بصواريخ مضادة للدبابات هي صور لا داعي لها»، على حدّ تعبير مصدر عسكري كبير معارض للحملة البرية.
في المقابل، توقّف عميت كوهين، في «معاريف»، عند «العائق البري» أمام جيش إسرائيل الذي سيواجه «منظمة عسكرية مسلّحة وجاهزة للمواجهة». وهنا يشير كوهين إلى أن الذراع العسكرية لـ«حماس» أصبحت «جسماً عسكرياً منظّماً يضم 20 ألف مقاتل خزَّنوا السلاح، وزرعوا العبوات ودرّبوا المقاتلين الذين ينتظرون المعركة معنا». ويستشهد بقول ضابط إسرائيلي «رفيع المستوى»: «منذ عام، زرعت حماس العبوات. ما إن تمر عليها دبابة، حتى تنفجر. كما توجد حفر لاختباء المخرّبين. نتوقع شبكة قنّاصين مدربين مع معدات نوعية. لقد هُرِّب ما يملكه حزب الله إلى غزة أيضاً».