وساطة تركيّة تنهي مرجعيّة مصر ولا تغيّر شروط «حماس»■ عباس يأمر قوّاته بقمع أي انتفاضة في الضفّة ولو في المساجد
■ ليفني: أبلغتُ مبارك أن ضرب غزّة مقدّمة لضرب حزب الله

وفق «هآرتس»، فإن إيهود باراك كان قد هاتف رئيس الحكومة إيهود أولمرت في الثاني عشر من تموز 2006 بعد ساعات من أسر الجنديين الإسرائيليين، قائلاً له: «من المهم تحديد متى وكيف يتم إنهاء العملية العسكرية، لأنه مع مرور الوقت، فإن إمكان التورط في لبنان سوف يتفاقم»

إبراهيم الأمين
لم يكن حاكم مصر حسني مبارك في حاجة إلى قول ما قاله أمس، حتى يعرف العالم أن هدف الحرب الإسرائيلية هو فرض قواعد أمنية وسياسية وإنسانية مختلفة في قطاع غزة وعند حدوده مع مصر أو مع بقية فلسطين المحتلة، إذ إن ربطه فتح معبر رفح بتسليمه إلى عناصر أمنية تعمل تحت سلطة الرئيس محمود عباس، وبإشراف مراقبين دوليين، هو نفسه الكلام الذي كان يفترض بـ«حماس» وبقوى المقاومة القبول به على طاولة الحوار التي كانت الاستخبارات المصرية تعمل على جمعها بقصد التمديد لأبو مازن، وإنهاء مفاعيل الانتخابات التشريعية، وتحويل الحركة الإسلامية إلى فرقة صغيرة، إضافة إلى فرض حسابات مصر الإقليمية والدولية على الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن وزير خارجية النظام هناك، أحمد أبو الغيظ، الذي أظهر مهارة فائقة في شرح تورّط حكومته بالعدوان على غزة، سارع إلى أنقرة وعرض على المسؤولين الأتراك ورقة تتضمن البنود نفسها: وقف لإطلاق النار مع تجديد للتهدئة من دون شروط، وإطلاق الحوار وفق قاعدة أن سلطة عباس هي المرجعية، وتولّيها أمن المعابر بضمانات دولية. لم ينتبه أبو الغيظ لماذا انتقلت مصر، خلال أيام قليلة، من موقع الجهة الراعية لتفاصيل الملف الفلسطيني، إلى مجرد طرف، علماً بأن رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل، كان قد اجتمع برئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان على هامش أداء العمرة في السعودية، وقال له «في المنطقة دول إقليمية نافذة. لن أذكر لك سوريا، لأنك ستقول إن كلامي مرتبط بوجودنا هناك، ولكن هناك تركيا وإيران وإسرائيل. وللأسف لم تعد مصر لاعباً كبيراً، وإن السياسة التي تتبعونها أفقدتكم الدور الذي لم يكن أحد يرغب في أن يكون خارج مصر».
لم يكن هذا الجواب مريحاً لرئيس الاستخبارات المصرية، الذي يسعى لأن يحصد علامات إيجابية من عواصم القرار لعلّ في ذلك ما يرفع رصيده كمرشح لخلافة حسني مبارك، ما زاد من غضبه على مشعل وعلى «حماس كلها»، وهو الذي يعرف أن إسرائيل تسير نحو الصدام، ثم كان له رأيه الداعم، لأن ما أصاب «صبيانه» في فريق 14 آذار اللبناني عندما عجزوا عن تحقيق وعدهم بنزع سلاح المقاومة بالحوار، أصابه هو، ووجد نفسه مؤيداً لعمل تأديبي تقوم به إسرائيل بغية جعل «حماس» تعود إليه رافعة الراية البيضاء. ولأن في إسرائيل من أقنعه بأن الأمر سهل ويحتاج إلى أيام فقط، سارع عمر سليمان إلى وضع الخطة البديلة.

ما بعد إزاحة «حماس»

فجأة دبت الحركة في المداخل الخاصة لمطار القاهرة. أول الواصلين كان محمد دحلان، رجل مصر الأول في غزة الذي فرّ بعدما أُحبط مشروعه للانقلاب على نتائج الانتخابات هناك، ولحق به عدد آخر من القيادات والكوادر الأمنية، سواء تلك التي وزعت على عدد من دول الخليج، أو تلك التي انتقلت إلى رام الله أو الأردن. وبرنامج العمل محصور في بند واحد: الاستعداد ومباشرة الخطوات الآيلة إلى السيطرة على الوضع في قطاع غزة عند انهيار «حماس». وبدل أن يظل الكلام نظرياً، قررت الجهات الأمنية في القاهرة توزيع هؤلاء بين القاهرة، حيث تجري الاتصالات، ومقر خاص في مدينة العريش لمتابعة الأحداث.
دحلان، الذي وصل إلى القاهرة، أول من أمس، أجرى اتصالات مع مسؤولين في الاستخبارات العامة. تحدث عن اتصالات أجراها مع مسؤولين في الولايات المتحدة ومع بريطانيا وفرنسا، وهو رفض مقابلة الصحافيين، لكنه أبلغ من يهمه الأمر أن ما يجري في غزة اليوم سوف يكون مقدمة لحالة من الفوضى. وتوقع دحلان أن يخرج أبناء غزة في تظاهرات تطالب «حماس» بإلقاء السلاح ومغادرة القطاع.

ودور عباس في الداخل

رغم أن المعلومات الواردة خلال الساعات الماضية من غزة تفيد بأن أجهزة الأمن اتخذت إجراءات لقمع حاسم، ولو بالرصاص، لأي محاولة انقلابية يقوم بها أنصار دحلان، فإن الامر لا يقتصر على هذه المجموعات، إذ إن الرئيس عباس كلّف مستشاره نمر حماد تنسيق الأوضاع على الأرض مع القيادات الإسرائيلية المعنية، والهدف هو منع اندلاع انتفاضة شعبية أو مسلحة في الضفة الغربية. وتولّى عناصر من الشرطة التابعة لسلطة عباس توقيف واعتقال متظاهرين بحجة أنهم يعدّون لأعمال أمنية تخريبية، علماً بأن إيهود باراك كان قد كلّف قائد قيادة المنطقة الوسطى في جيشه الاجتماع مع قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مدينة جنين، حيث طالب الجنرال الإسرائيلي «بضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية لمنع عناصر حماس من القيام بعمليات عسكرية». وسمع الجنرال الإسرائيلي في المقابل، وتحديداً من وزير الداخلية في سلطة رام الله عبد الرزاق اليحيى، أن لديه تعليمات واضحة بـ«إلقاء القبض على كل العناصر التي يمكن أن تثير الشغب من أئمة في المساجد وناشطين في المجموعات الطالبية وفي نقابات الأطباء والمهندسين والمعلمين».

مبارك وليفني وعباس

ومع أن في مصر من لا يريد التعليق على اتهام النظام هناك بالتواطؤ، إلا أن المتابعين يتحدثون عن تقارير دبلوماسية عن نتائج زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني والرئيس عباس إلى القاهرة عشية وغداة انطلاق العدوان. حتى إن دبلوماسيين أوروبيين ينقلون عن نظراء لهم في تل أبيب قولهم إن ليفني تحدثت صراحة أمام قياديين من حزبها عن نتائج زيارتها، وقالت إنها «تحدثت صراحة مع الرئيس مبارك والوزير أبو الغيط ورئيس الاستخبارات عمر سليمان عن قرار حاسم من إسرائيل بضرب حماس وعدم انتظار أي جهود، وأنها ترى في عملية جراحية كبيرة في غزة نموذجاً صالحاً للتعميم باتجاه لبنان، وتحديداً باتجاه حزب الله»، وأنها وضعت المصريين «في أجواء رغبتها في تكليف شاؤول موفاز مهمة وزير الدفاع إذا فازت برئاسة الحكومة، وأنها طلبت منه منذ الآن إعداد الخطط الخاصة بعملية حاسمة ضد حزب الله».
أما مع الرئيس عباس، فإن مبارك شجّعه على السير في خطوات لمحاصرة «حماس» وتطويعها، وأبلغه أنه حصل على تأييد أميركي وأوروبي وروسي لتمديد ولايته. وشدد مبارك أمام عباس على أن «حماس صاحبة مصلحة في نسف التهدئة واستئناف المواجهات، لأن التوتر يبقيها مسيطرة على غزة».

الوساطة التركية وموقف «حماس»

إلا أن كلّ الكلام الدبلوماسي لم يعد ينفع داخل الحلبة العربية نفسها. ويبدو أن الوساطة التركية ستكون الأساس بالنسبة إلى المرحلة المقبلة. وإلى جانب اجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد، اليوم، فإن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان سيسمع من مشعل كلاماً واضحاً عما يجري. وبحسب ما هو مفترض، فإن مشعل سوف يؤكد لأردوغان عدم معارضة الحركة لأي وساطة تستهدف وقفاً فورياً للعدوان. لكنّ الشروط التي تجعل الهدوء يستمر «تتطلّب تهدئة من نوع مختلف، حيث لا مجال لبقاء الحصار تحت أي ظرف، وحيث لا يمكن أن تتوقف الصواريخ إذا لم تتوقف العمليات العسكرية والأمنية والاغتيالات، وحيث إن الأمر لا يتم في غزة فحسب، بل في الضفة أيضاً، وحيث إن أمن المعابر سيكون بيد الحكومة المنتخبة، لا بيد آخرين، والحوار الفلسطيني ـــــ الفلسطيني له ظروفه، لكنّه ليس شرطاً لوقف العدوان».
وثمة من ينظر إلى موقف «حماس» هذا على أنه تصعيد في الهواء، لكنّ مشعل يعي حقيقة الوضع على الأرض. وعمليات الساعات الأولى التي أدّت إلى نتائج وحشية ومجازر سبّبت أذية للحركة، لكنّها لم تصب القيادات السياسية ولا القيادات العسكرية. وصدمة الساعات الأولى ذهبت، وثمة قدرة على إدارة المعركة، وثمة إمكانات وقدرات تكفي لأسبايع طويلة، وثمة تقديرات بأن خسائر إسرائيل ستزداد يوماً بعد يوم.
المفيد في المشهد الإسرائيلي أن باراك الذي يتسلّق شجرة غزة، سيدرك خلال أيام حاجته إلى النزول، وهو يعرف أنه ليس في إسرائيل ولا في فلسطين ولا في العالم من يقدر على مساعدته، ولذلك قرّر أن يبقي السلّم معه منذ اللحظة الأولى.


أمير قطر وإعمار غزّةوإثر إقدام العدو على قصف مقر الجامعة الإسلامية في القطاع، أجرى أمير قطر اتصالاً بقيادي فلسطيني بارز مطمئناً: لا تهتموا لموضوع الأضرار فسنكون إلى جانبكم.