دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة وإلى «انتفاضات على امتداد العالمين العربي والإسلامي»، لمواجهة العدوان على غزة. وطالب نصر الله، في خطاب ألقاه أمام عشرات آلاف المعتصمين في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم أول من أمس، رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ببذل جهد ولعب دور مركزي للدفع باتجاه عقد قمة عربية طارئة، «لأن هناك من يعمل على منع عقد هذه القمة لحسابات وأخرى».ورأى نصر الله أن سليمان قادر على القيام بدور باتجاه عقد القمة «من دون تأثر بأي حسابات أو حساسيات عربية»، بالاستناد إلى «التوافق اللبناني المندّد بالعدوان على غزة، وعلى إجماع لبناني يطالب بوقف العدوان من دون قيد ولا شرط ، ولأن لبنان هو من أكثر البلدان معاناةً من العدوان ومن المجازر ومن التدمير ومن القتل». وأشار إلى أن الموقع الرسمي اللبناني يجب أن يكون في موقع التضامن مع أهل غزة لا مع هذا النظام العربي أو ذاك. وإضافة إلى ذلك، طالب نصر الله رئيس الجمهورية بأن يؤدّي في القمة دوراً مركزياً، حيث «يجب أن يكون صوت لبنان عبر حنجرة الرئيس مدوياً يرفض التنازل عن الحقوق وإعلان موقف صارم وشجاع الى جانب الشعب الفلسطيني».

الصراع ليس دينيّاً بل سياسي

وأخرج نصر الله الهجمة الأميركية على المنطقة من دائرة الحرب على الإسلاميين، فليس لدى أميركا «مانع في أن يحكم حزب إسلامي أصولي أو حركة إسلامية أي بلد من البلدان العربية والإسلامية (...) ولا مانع لدى الأميركيين من حيث المبدأ أن يكون الذي يحكم إسلامياً أو شيوعياً ماركسياً لينينياً أو ماوياً أو قومياً، (...) المهم ما هو برنامجك السياسي؟ ما هو موقفك من إسرائيل؟ ما هو موقفك من أميركا؟ هل تقبل أن تسلم نفطك وتبيع نفطك بأثمان بخسة للشركات الأميركية؟ هل تقبل الخضوع للإرادة الأميركية وللمصالح الأميركية؟ هل تعترف بإسرائيل وتقيم صلحاً ذليلاً مع إسرائيل ؟هل أنت مستعد للتخلي عن مقدساتك وعن تراب وطنك وعن حقوق شعبك؟ ما هو برنامجك السياسي؟».
وأورد نصر الله دليلاً على ما ذكر بالقول إن «الحركات الإسلامية والأحزاب الإسلامية موجودة في حكومة أفغانستان. وفي العراق لرئيس الجمهورية نائبان وكلاهما ينتميان الى أحزاب إسلامية ورئيس الحكومة ينتمي الى حزب إسلامي».
وأعاد نصر الله التذكير بأن «حركة فتح كانت مصنفة حركة إرهابية، ولكن أزيلت عن لائحة الإرهاب ودخلت في عملية المفاوضات وأتيح للرئيس عرفات أن يدخل الى فلسطين وأن يبني السلطة الفلسطينية. ولكن في كامب دايفد، في آخر مفاوضات مع باراك عام 2000، عندما رفض الرئيس عرفات الخضوع لشروط كلينتون وباراك، ورفض التسوية التي عرضت عليه في كامب دايفد والتي كانت تدعمها بعض الأنظمة العربية، عاد الى رام الله فعزل وقوطع وحورب وتخلى عنه ما يسمّى العالم الحر، وقضى الأشهر الأخيرة من حياته محاصراً في المقاطعة في رام الله، ثم قتلوه مسموماً على يبدو من التقارير».
وقال إن حماس ستصبح مقبولة وسيتوقف إطلاق النار إذا وافقت حماس على الاعتراف بإسرائيل وعلى الدخول في مفاوضات معها للتوصل إلى «تسوية كاملة كيفما كان»، وحينها «لن يكون لديهم مانع من أن تتسلم حماس السلطة، ليس فقط في غزة، بل في الضفة الغربية أيضاً». وأضاف أن الأمر هو ذاته بالنسبة إلى حزب الله في لبنان. «فمشكلة أميركا وإسرائيل مع حزب الله ليست لأنه حزب إسلامي أو حزب ديني أو عقائدي على الإطلاق. الأميركيون يرغبون في الاتصال بنا والجلوس معنا والتحدث إلينا والتفاوض معنا، وإذا قلنا لهم كحزب إننا حاضرون لأن نعترف بإسرائيل وأن نساوم على المقاومة وأن نناقش في مسألة السيادة اللبنانية الحقيقية، فإنهم سيساعدوننا لنتسلم، نحن وحلفاؤنا، السلطة في لبنان. فمشكلتهم ليست مع صَلاتنا ولا مع صومنا ولا مع عمائمنا ولا مع لحانا، مشكلتهم الحقيقية هي مع برنامجنا السياسي الذي يرفض التخلي عن حبة تراب وعن أسير وعن حبة كرامة عن نقطة ماء وعن استقلال حقيقي». وخلص نصر الله إلى القول إن «المستهدف في غزة ليس حماس أو الجهاد أو فصائل المقاومة، بل المستهدف هو بقية المقاومة والإرادة الفلسطينية والتمسك بالحقوق».
وضم نصر الله صوته إلى «أصوات العديد من القادة الفلسطينيين» داعياً إلى «انتفاضة ثالثة في فلسطين وإلى انتفاضات على امتداد العالمين العربي والإسلامي، لأننا في غزة اليوم كأمة تواجه معركة مصير فلسطين لا مصير حكومة حماس. ولذلك ندعو الفصائل الفلسطينية إلى التوحد وإلى نبذ الخلاف إلى التعاون والابتعاد عن الشروط المسبقة، من أجل العمل بجد لوقف العدوان دون الإذن والسماح لهذا العدوان بأن يحقق شيئاً من شروطه».
ودعا نصر الله مجدداً الشعوب العربية والإسلامية لمواصلة التحرك لأن العدوان مستمر ولأن الإرادة العدوانية قوية وبحاجة إلى مواجهة، مشيراً إلى أن «مجزرة قانا غيّرت المعادلة في عدوان نيسان 1996، وأدّت مجزرة قانا الثانية عام 2006 إلى إحراج الصهاينة فأوقفت العمليات 48 ساعة، لكن ما يجري في غزة أن الحرب بدأت بمجزرة ولم يتوقف العدوان. وهذا يعني أن هناك إصراراً قوياً وكبيراً بالاستفادة من الوقت المتاح أمام إسرائيل لتحقيق أكبر إنجاز ممكن. وهنا الدعوة إلى الحكام العرب للمسارعة لبذل الجهود الحقيقية، «أما الرهان فيبقى على الوضع الميداني».
ولفت نصر الله إلى إيجابية النزول إلى الشوارع بالآلاف، مشيراً إلى وجوب تصاعد تحرك الشعوب. وقال إنه كان يعرف مسبقاً أنه سيقابل «بسيل من الاتهامات والشتائم» قبل أن يتحدّث في اليوم السابق عن دور النظام المصري في العدوان على غزة. وأشار إلى أن «الدفاع عن غزة وأهلها يستحق أن يقدم الإنسان دمه، فكيف لو تعرّض لبعض الشتائم؟». ورأى أن هناك معركة تخاض «لاستنهاض الوعي لدى شعوب الأمة في مقابل حملات التضليل والتجهيل والكذب والافتراء الذي يمارسه كثيرون»، مستغرباً ما قاله البعض على قنوات فضائية من أن حزب الله قصف السفارة المصرية في بيروت. وفي هذا الإطار، رأى نصر الله أن «من الطبيعي جداً أن يكون الحشد أمام السفارة المصرية في بيروت، ولكن نحن عن عمد تجنّبنا الذهاب إلى هناك لأننا نتفهم وندرك بعض الظروف الخاصة ولأننا لا نريد أن يدخل أحد على الخط. نحن نقوم بتحرك سلمي ومطالبة سلمية بتغيير الموقف المصري ولكن لسنا في صدد الاعتداء على أحد». وأسف نصر الله لأن بعض الصحف العربية اتهمت فصائل المقاومة في غزة ببيع شعبها وأهلها من أجل مصالح سوريا، قبل أن يشير إلى أن سوريا بادرت إلى وقف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل.

الهجوم البري يعني انتصار المقاومة

ودافع الأمين العام لحزب الله عن موقف الفصائل الفلسطينية بعد انتهاء التهدئة التي «تعني الموت جوعاً والموت ذلاً»، مكرّراً أن من يتخلى عن المقاومة في غزة «شريك في الجريمة وشريك في القتل وشريك في الخيانة». وأشار إلى أن هناك إجماعاً عربياً وإسلامياً يطالب الحكومة المصرية بفتح معبر رفح لأننا هنا نتحدث عن صمود غزة المحتاجة إلى ما يعزّز صمودها.
وتحدّث نصر الله عن الوضع الميداني في غزة، مطَمئناً إلى أن حضور المقاومين من كل الفصائل والاحتضان الشعبي لخيار المقاومة واستمرارها واستمرار إطلاق الصواريخ الذي يستهدف مستوطنات ومستعمرات جديدة هو دليل على قوة الموقف الميداني. وتوقع نصر الله أن «يعجز سلاح الجو الصهيوني عن النيل من إرادة المقاومين الذين يطلقون الصواريخ وسيبقى سكان المستعمرات على بعد 20 كيلومتر وعلى الظاهر على بعد 40 كيلومتر من غزة، إما خارج مستعمراتهم أو في الملاجئ. والمعركة هنا معركة وقت، والمقاومون في غزة يفهمون هذا جيداً. الإسرائيلي لا يستطيع أن يتحمل وقتاً طويلاً وستبدأ الأسئلة عن جدوى ما قاموا به. وما دامت المقاومة تطلق الصواريخ سيكتشف الإسرائيلي أنه فشل في تحقيق أهدافه، رغم التضحيات الجسام لدى الفلسطينيين. وعندما يبدأ التحرك البري الذي سيواجه بقوة المقاومين وإرادة المقاومين سوف تبدأ الخسارة الإسرائيلية، وسيبدأ ارتفاع الصوت الإسرائيلي». وجدّد مطالبة حكام مصر وحكام العرب بتوفير «مقوّمات الصمود للمقاومة في غزة، إذا كانوا عاجزين عن وقف العدوان، ولن يكون مصير المواجهة حينذاك إلا النصر العزيز والمؤزّر».


الأمن المصري والسيد

انطلقت دوائر الأمن والإعلام في القيادة المصرية بإجراء اتصالات وحثّ شخصيات لشنّ حملة على السيد حسن نصر الله. وعقدت اجتماعات مع عدد كبير من المراسلين المصريين الذين يعملون مع وكالات أنباء وفضائيات عربية وعالمية لإعداد تقارير تظهر رفض الشارع المصري لتصريحات نصر الله. كما توجه الأمن المصري إلى وسائل إعلام مملوكة من السعودية طالباً الدعم، وخصوصاً من قناة «العربية» وبعض المواقع الإلكترونية لشنّ حملة على نصر الله.