في منتصف الأسبوع الجاري شدّد الأمين العام لـ«أوبك» عبد الله البدري، على أنّ البلدان التي تعاني الأزمة الماليّة يجب ألّا تلجأ إلى المنظّمة النفطيّة لأنّ «معظمنا دول فقيرة». ولكن في الواقع البلدان الخليجيّة في كارتل الوقود الأحفوري، غنيّة لدرجة أنّها أنقذت مؤسّسات ومصارف في السابق، وستنقذ مؤسّسات أيضاً في المستقبل: «BARCLAY’S» سيحصل على تمويل من قطر والإمارات
حسن شقراني
«لا تعوّلوا علينا لإنقاذكم»، العبارة التي أطلقها الأمين العام لمنظّمة الدول المصدّرة للنفط، عبد الله البدري، في مؤتمر «OIL AND MONEY» في لندن، مخاطباً الدول التي مسّتها بشدّة الأزمة الماليّة (دول العالم الرأسمالي عموماً)، تخضع للنقد تاريخياً وحاضراً. فرغم إشارة المسؤول النفطي إلى أنّ معظم دول «أوبك» فقيرة، يبقى أنّ الثقل الأكبر في المنظّمة هو للبلدان الخليجيّة وعلى رأسها السعوديّة، أكبر مصدّر للنفط في العالم.
البدري كان يقصد بالتحديد التشديد على أنّ العالم الصناعي يجب ألّا يعتمد على قيام الدول النفطيّة بإبقاء إنتاجها من الوقود الأحفوري على ما هو عليه من أجل بقاء الأسعار عند مستويات منخفضة. ففي ظلّ موجة الركود التي تغرق فيها اقتصادات العالم العملاقة تدريجاً، تسعى الدول الغنيّة بالنفط إلى الحفاظ على مستويات استهلاكها المرتفعة وإنفاقها العام الخيالي على المشاريع الاستثماريّة، ولذا فهي تريد سعراً للنفط لا ينخفض عن الـ90 دولاراً بالحدّ الأدنى.
ولكن التجربة وإن أظهرت أنّ البلدان النفطيّة (منذ بداية القرن الحالي وحتّى الآن) تغلّب المصالح القوميّة على الاعتبارات السياسيّة في «محاججاتها النفطيّة»، فإنّ الاستثمارات الخليجيّة التي انتعش من جرّائها الاقتصاد الأميركي على سبيل المثال، تعتبر تيّاراً من البترودولارات الذي يُضخّ في مؤسّسات ماليّة ومصارف استثماريّة عانت ما عانته (ولا تزال) جرّاء أزمة الائتمان وفقدان الثقة بين اللاعبين في السوق الماليّة.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى الإنقاذ الخارق الذي قامت به دول الخليج (صناديقها السياديّة ومؤسّساتها الرسميّة) للمصرفين الأميركيّين الضخمين «MERRILL LYNCH» و«CITIGROUP». فالذراع الاستثماريّة لدولة الكويت، على سبيل المثال، قامت بضخّ جزء من الـ12.5 مليار دولار التي خصّصت لإنقاذ المصرف الثاني، كما شاركت بجمع الـ6.6 مليارات دولار التي خصّصت للمصرف الأوّل. وفي الوقت نفسه، شارك رجل الأعمال السعودي، الذي يعدّ رابع أغنى رجل في العالم، الوليد بن طلال، في عمليّة تمويل إنقاذ المصرفين.
اللائحة تطول في ما يتعلّق بإنقاذ المؤسّسات الماليّة، وحتّى الصناعيّة الغربيّة على أيدي الصناديق السياديّة. واللافت هو أنّه بعد 3 أيّام فقط من إعلان البدري «المبادئ» التي تعتمد عليها بلدان منظّمته، كشف ثاني أكبر مصرف بريطاني، «BARCLAYs» أنّه سيقوم بجمع 12.1 مليار دولار من مستثمرين في قطر وأبو ظبي وبلدان أخرى لتجنّب استخدام أموال الحكومة البريطانيّة المخصّصة لإغاثة المؤسّسات الماليّة والمصارف.
وسيحصل المصرف على 3.5 مليارات دولار من العضو في العائلة الملكيّة في أبو ظبي، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، ما سيؤمّن للأخير حصّة نسبتها 16.3 في المئة من المصرف. فيما سيؤمّن الصندوق السيادي القطري، ملياري دولار، وسيسهم، حسبما نقلت التقارير الإعلاميّة، أحد أعضاء العائلة الحاكمة القطريّة، بـ300 مليون دولار. وبجمع المبلغين ستتأمّن للمستثمرين القطريّين حصّة نسبتها 15.5 في المئة في المصرف البريطاني، الذي يبدو أنّه يتجنّب إلى أقصى الحدود التأميم الجزئي الذي يفترضه قبول أموال الحكومة في زيادة رأس ماله.
وعموماً، تسعى دول صناعيّة عديدة إلى جذب الرساميل الخليجيّة النفطيّة من أجل إنعاش اقتصاداتها التي يتهدّدها الركود. وفي هذا الصدد، قام نائب رئيس الخزانة الأميركي، روبرت كيميت، بزيارة إلى السوق الماليّة العالميّة في دبي، شدّد خلالها على أنّ بلاده تتطلّع للاستثمارات الخليجيّة الوافدة إليها. وقال: «علينا أن نرفع من وتيرة التفاعل (المالي طبعاً) بيننا من أجل دفع اقتصاداتنا نحو الأمام».
وينطلق كيميت في تشديده من واقع أنّ الصناديق السياديّة في العالم (العديد منها يتبع لبلدان نفطيّة تملك فوائض هائلة من العملات الأجنبيّة) تسيطر حالياً على أصول تبلغ قيمتها 3.6 مليارات دولار. وبحسب تقديرات المصرف الألماني، «DEUTCHE BANK»، فإنّ مَحافظ هذه الصناديق ستنمو بنسبة 15 في المئة سنوياً لتصبح 10 تريليونات دولار مع حلول عام 2015.
... البدري يحاجج أنّ أسعار النفط يجب ألّا تخضع لمطالب البلدان الصناعيّة، ولكن مؤسّسات تلك البلدان تحصل على التمويل الإنقاذي الضروري من الخليج، وسنشهد مستقبلياً أمثلة كثيرة تشبه عمليّة إنقاذ «BARCLAYs».


سلطة استثمارات سياديّة

إلى جانب «CITIGROUP» و«MERRILL LYNCH»، حظيت مؤسّسات ماليّة كثيرة بدعم خليجي في خضمّ الأزمة الماليّة. فالمصرف السويسري، «CREDIT SUISSE» جمع في بداية الشهر الجاري 8.75 مليارات دولار على شكل رأس مال جديد، معظمها من الصندوق السيادي القطري، «سلطة الاستثمارات القطريّة». كما تقوم مجموعة «مبادلة» التابعة لحكومة أبو ظبي بالتركيز على استثماراتها في القطاعات غير الماليّة، فهي وافقت أخيراً على مضاعفة حصّتها في شركة تصنيع الشرائح الإلكترونيّة «ADVANCED MICRO DEVICES» لتصبح 19.3 في المئة.