strong>تحضيراً للقمة الاقتصادية التي تستضيفها واشنطن في 15 من الشهر الجاري، صاغ وزراء المال ومحافظو المصارف المركزية لبلدان مجموعة العشرين مقترحات أولية خلال الاجتماع الذي عقدوه في ساو باولو في نهاية الأسبوع الماضي. اتفقوا على «الحاجة لتحفيز النمو»، ولكن تطوير النظام المالي العالمي هو العنوان الأساسي في هذه المرحلة، ويرتبط بمقررات القمة المقبلة
غداة تعهد زعماء بلدان الاتحاد الأوروبي أنهم سيذهبون إلى قمة واشنطن في نهاية الأسبوع الجاري «موحَّدين» خلف برنامج عمل مستوحى من المقترحات الفرنسية ورؤية سيد الإيليزيه، نيكولا ساركوزي، توافق المسؤولون عن الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم، خلال القمة التي عقدوها في ساو باولو، على ضرورة تحفيز النمو العالمي في ظل الركود الذي يهدد الاقتصاد الكوني. وحسبما يتوقع المراقبون، فإن المسؤولين الذين اجتمعوا في البرازيل خطوا مبادئ أولية تتعلق بكيفية تطوير النظام المالي العالمي للتكيف مع المرحلة الحالية التي تُعَدُّ انتقالاً نوعياً ممّا أُرسي عالمياً بعد الحرب العالمية الثانية، وما أقرته اجتماعات «بريتون وودز»، وخصوصاً أن الأزمة المالية الحالية توضح أكثر أن العالم بحاجة إلى رقابة نوعية على الأسواق تُمنح في إطارها البلدان النامية صوتاً أكبر في تحديد مسار الاقتصاد العالمي.
ومن هذا المنطلق، ضغطت البرازيل، البلد المضيف نحو توسيع نفوذ مجموعة البلدان النامية التي تنتمي إليها، في المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقال رئيسها، لويس أغناسيو لولا دا سيلفا، الذي يدير فريقه أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، إن النظام المالي العالمي انهار مثل «منزل من ورق»، خلال أزمة الائتمان، بسبب «الإيمان الأعمى» للبلدان الغنية في مقولة أن الأسواق تستطيع أن تقنّن نفسها وتنتج التوازن.
ويأتي تشديد لولا بعدما كانت مجموعة بلدان «بريك» (البرازيل، الصين، روسيا، الهند) قد أكدت الجمعة الماضي ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية وإعطاء أهمية أكبر للبلدان النامية التي يكبر تأثيرها في الاقتصاد العالمي، وهو التصريح المشترك الأول من نوعه لهذه البلدان في هذا السياق، وهو جزء من حملة الضغوط التي تقوم بها البلدان النامية تحضيراً لقمة «تغيير النظام المالي العالمي» التي تستضيفها العاصمة الأميركية.
ولكن واشنطن لن تكون في أبهى حللها لدى استضافتها زعماء أكبر اقتصادات في العالم. فالرئيس الحالي جورج بوش، يستعد للمغادرة، والرئيس المنتخب، باراك أوباما، تنتظره متاعب كثيرة تتعلق بالملفات الاقتصادية المطروحة على أجندته، أبرزها البطالة في البلاد وتراجع نسبة النمو، واحتمال أن يتقلص اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة 7,0 في المئة خلال العام المقبل، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي.
ولكن تحسين الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة يجري في إطار إجراءات دولية موحدة لتحفيز النمو عالمياً، وخصوصاً أن أزمة الائتمان وفقدان الثقة في الأسواق المالية أظهرت الارتباط الوثيق بين تلك الاقتصادات. وفي هذا السياق، قال وزير الخزانة الأوسترالي، واين سوان، لوكالة «رويترز» على هامش اجتماع البرازيل: أعتقد أن «هناك توافقاً على الحاجة لاتخاذ إجراءات منسقة وموحدة وحازمة على صعيد عالمي، تتعلق بالدرجة الأولى بالسياسات المالية». وأضاف: «من المهم جداً أن تقوم البلدان التي تتمتع بهوامش لتحفيز النمو، بهذا الأمر بالدرجة الأولى».
ويقصد سوان البلدان النامية، وبينها بلدان مجلس التعاون الخليجي، التي راكمت خلال الفترة الأخيرة احتياطات هائلة من العملات الأجنبية. ويُطلب منها حالياً المشاركة في خطة صندوق النقد للإنقاذ المالي، التي تبلغ قيمتها حتى الآن 250 مليار دولار، والتي أوضح رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون، أن البلدان الخليجية مستعدة لزيادتها خلال قمة واشنطن.
وعلى أي حال، يبدو أن العالم متجه خلال هذه القمة نحو ترسيخ مفهوم أن مجموعة العشرين تمثّل الإطار الأفضل لمعالجة المشاكل الاقتصادية العالمية، حسبما شدد رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس كان، وقد تهيئ القاعدة الصحيحة لصياغة اتفاق تاريخي جديد بين الحكومات لإنتاج هندسة مالية جديدة للعالم، على حد تعبير لولا دا سيلفا.
وفيما صلاحيات الرئيس الأميركي الحالي تبدو معدومة خلال القمة التي يستضيفها، وبالتالي فإن الصوت المنادي بـ«الحرية المطلقة للأسواق» لن يكون مسموعاً كثيراً، سيعلو صوت أوروبا المعبّر عن رؤيتها في أن القمة تمثّل فرصة لوضع أسس لإجراء تغييرات كبيرة في النظام الذي يعمل على أساسه الاقتصاد الكوني، على أن تُقَرّ تلك الإجراءات خلال القمم المتمّمة لقمة واشنطن، التي ستنطلق في بداية العام المقبل، أي مع انتقال أوباما إلى البيت الأبيض وتسلمه سدة الرئاسة بالفعل، وانطلاق برنامج «التغيير» الاقتصادي الذي يعد به، والذي يتهمه من خلاله خصومه، بأنه يساري أو صاحب نزعة اشتراكية. ولكن هذا البرنامج سيكون له أثر كبير على كيفية تطور الأزمة والمستوى الذي ستبلغه موجة الركود.
(الأخبار)


إصرار عبثي

في مقابل تشديد البلدان النامية وأوروبا على ضرورة إجراء تعديلات جذرية على كيفية عمل النظام المالي العالمي، لا تزال إدراة الرئيس جورج بوش تصر على أن «النظام لا يزال يعمل جيداً»، وتفترض بالتالي أنه ليس هناك ضرورة لإجراء إصلاحات. ومن بين حلفاء أميركا الذين يصرون على هذا الموقف، كندا، التي تحدث وزير خزانتها، جيم فلاهرتي، خلال اجتماعات ساو باولو، عن أن الوقت الحالي هو «لإطفاء الحريق (الأزمة المالية الحالي) لا لطرح مخططات عظيمة» تتعلق بتغيير النظام العالمي. ولكن رؤية فلاهرتي تخالف رؤية معظم زعماء العالم، وحتى رؤية الإدراة الأميركية المقبلة.