الصين ستقاوم الضغوط عليها من أجل الإسهام في برنامج صندوق النقد الإنقاذي لاحتواء انعكاسات الأزمة الماليّة على بلدان هشّة اقتصادياً، وذلك بسبب «أهميّة التركيز على الاقتصاد الوطني» وكيفيّة تحفيزه، ما يُعَدّ إشارة واضحة إلى مذهب حمائي يعتمده رابع أكبر اقتصاد في العالم الذي قال المحلّلون في وقت من الأوقات إنّه تفادى الأزمة
حسن شقراني
ازدادت في الفترة الأخيرة التحذيرات عالمياً من أنّ لجوء البلدان إلى إجراءات أحاديّة لمواجهة مخاطر الأزمة الماليّة (بمراحلها المتنوّعة) ليس أسلوباً سليماً، وخصوصاً أنّ تداعيات الأزمة اتخذت طابعاً كونياً، لذا يجب اعتماد تدابير كونيّة أساسها التعاون من أجل إيجاد الحلول. ومن هذا المنطلق يمكن رصد أهميّة الإجراءات التي اتخذتها الحكومات حول العالم من أجل احتواء أزمة السيولة والثقة في الأسواق الماليّة. وتنبع أهميّة قمّة مجموعة العشرين في واشنطن، التي ستذهب إلى أبعد من ذلك لتطلق النقاش عن كيفيّة تطوير النظام المالي العالمي.
وعلى أي حال، فإنّ اللافت في موضوع التحذيرات المذكورة، هو أنّ مصدرها كان الدول الصناعيّة الكبرى، وتحديداً الولايات المتّحدة، حيث انطلقت الأزمة الحاليّة أساساً. فرغم أنّ فقاعة الرهون العقاريّة كانت فقاعة أميركيّة بامتياز، غذّتها الرساميل الأجنبيّة والفوائض الماليّة الضخمة في البلدان النامية والنفطية، إلّا أنّ المسؤولين الأميركيّين ونظراءهم الأوروبيّين شدّدوا على أنّ العلاج يجب أن يكون كونياً. وهنا يمكن لحظ تشديد رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون على ضرورة مشاركة الصين والبلدان الخليجيّة النفطيّة في الإسهام بصندوق الإنقاذ الذي أسّسه صندوق النقد الدولي، وتبلغ محتوياته حتّى الآن 250 مليار دولار.
ولكن، فيما يُنتظَر أن تظهر مواقف الدول النفطيّة من هذا الضغط في قمّة الـ«G20»، كان للصين موقف أكثر صرامة أمس، حيث أكّدت وزارة الخارجيّة الصينيّة أنّ في الوقت الحالي «علينا ترتيب بيتنا الداخلي وعلينا إحلال الاستقرار في سوقنا الماليّة والحفاظ على النظام فيها... وهذه هي أكثر مساهمة فعّالة تستطيع الصين تقديمها في إطار مواجهة الأزمة الماليّة».
وبالفعل فإنّ البلد الآسيوي الذي يمتلك احتياطات بالعملات الأجنبيّة تبلغ تريليوني دولار، يشعر فعلاً في هذه المرحلة بانعكاسات الأزمة على اقتصاده. لهذا السبب، أقرّت حكومته في نهاية الأسبوع الماضي رزمة محفّزات اقتصاديّة تبلغ قيمتها 586 مليار دولار من أجل دفع النموّ أماماً، بعدما كانت نسبته قد انخفضت إلى دون الـ10 في المئة خلال الربع الثالث من العام الجاري (كانت 11.9 في المئة خلال الفترة نفسها من العام الماضي)، ويُتوقّع أن تتراوح بين 8 في المئة و9 في المئة في العام المقبل، بعد 5 سنوات متتالية من النموّ المتخطّي عتبة الـ10 في المئة.
وإصرار الحكومة على ضرورة معالجة التطوّرات الطارئة على اقتصادها «أولاً» ينبع أيضاً من ضرورة احتواء الاضطرارات التي نشأت من تراجع عجلة الاقتصاد وتمثّلت باحتجاجات عماليّة واسعة بعد إقفال مصانع كثيرة (وتحديداً في الجنوب) أو حتّى هروب أصحاب بعض المؤسّسات من البلاد بسبب تعثّرهم في دفع التزاماتهم للموظّفين.
وعلى سبيل المثال، فإنّ مسؤولين حكوميّين خاضوا محادثات شاقّة أمس، مع ممثّلين عن 2000 عامل في مصنع المحرّكات «YANGDONG»، بعدما أطلقوا سلسلة تظاهرات أقفلوا خلالها الطرقات السريعة وحاصروا مراكز حكوميّة، رافعين شعارات مثل «أنقذوا وظائفنا».
إذاً، فالنمو الاقتصادي الصاروخي الذي يعيشه البلد الآسيوي ينشئ تشكيلات اقتصاديّة ـــ اجتماعيّة جديدة تفرض على الحكومة التعاطي بحذر مع الانتفاضات المطلبيّة: الاحتجاج أمام المراكز الحكوميّة لم يكن ممكناً أبداً قبل خمس سنوات. وبالتالي فإنّ السلطات تجد نفسها في موقع رفع مستوى التطبيقات الحمائيّة والتركيز على الاستقرار الداخلي، قبل توسيع «دائرة الإنقاذ» حسبما تريد الدول الصناعيّة من أجل تجنّب كوارث الركود.
وأكثر من ذلك، قد تكون قيمة الخطّة التي أقرّتها الحكومة أقلّ ممّا تفرضه المرحلة الحاليّة. فمبلغ الـ586 مليار دولار يمثّل حوالى 15 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، إلّا أنّ إنفاقه موزّع حتّى نهاية عام 2010، ما يعني أنّ رزمة المحفّزات ستقسّم على 9 فصول، وستمثّل سنوياً 6 في المئة فقط من الناتج المحلّي. وهنا يطرح الاقتصاديّون تساؤلات جديّة عن مدى قوّة الدفع الذي يمكن أن تعطيه للاقتصاد.
من جهة أخرى، فإنّ الكثير من الإنفاق العالمي الذي تفترضه الخطّة، هو عبارة عن إنفاق أقرّ سابقاً وأدخل في الخطّة الجديدة على شكل إنفاق لتطوير البنى التحتيّة، مثل مبلغ الـ 3 مليارات دولار المخصّص للاستثمار في إقليم سيشوان الذي دمّرت مناطق كثيرة فيه بسبب الزلزال الذي ضربه في أيّار الماضي.
وبالتالي، فإنّ العوامل الموضوعيّة وتلك الذاتيّة تدفع الصين نحو اعتماد مقاربات أكثر حمائيّة، يرفضها الغرب بشدّة في هذه المرحلة.




ثبات اليوان

يمكن رصد حركيّة أداء اقتصادات العالم في ظلّ العولمة من خلال الإضاءة على تطوّر أسعار صرف عملاتها، فانخفاضها يحفّز التصدير وبالتالي النموّ. وفي هذا الصدد، يشدّد رئيس المصرف المركزي الصيني، تشو تيشا تشوان، على أنّه لا مجال حالياً لخفض عملة البلاد كطريقة لتعزيز الصادرات وإبقاء معدل نمو الاقتصاد قوياً. ولدى سؤاله عمّا إذا كانت الصين ستخفض قيمة اليوان لمساعدة صادراتها، قال: «حتى الآن لم نر بعد أي تغييرات ملموسة في ميزان المدفوعات. من السابق جداً لأوانه قول ذلك».