مراحل كثيرة مرّ بها الاقتصاد الإسرائيلي قبل الولوج كلياً إلى العولمة خلال السنوات الخمس الماضية. ولكنّ هذا الولوج يحتّم عليه التأثّر بتداعيات الأزمة الماليّة التي تهدّد بدخوله في ركود بحسب إجماع المحلّلين، وتحتّم بحث برنامج تحفيز. ولذا عرض وزير الاقتصاد روني بار أون خطّة تحفيز ترفع الإنفاق العام الاستثماري بنسبة 41 في المئة
حسن شقراني
بعدما حقّق نسبة نمو مرتفعة بلغت 5.3 في المئة عام 2007، يُتوقّع أن ينخفض معدّل توسّع الاقتصاد الإسرائيلي في العام الجاري إلى 4.5 في المئة بحسب أرقام المصرف المركزي في الدولة اليهوديّة. وفي العام المقبل، يمكن أن يزداد سوء الصورة، إذ يفترض المصرف أنّ نسبة النمو ستتراوح بين 1.8 في المئة و2.2 في المئة، وذلك بالطبع بسبب انعكاسات الأزمة الماليّة. فإسرائيل كمعظم بلدان العالم، وخصوصاً تلك التي فتحت اقتصاداتها كلياً على الرأسماليّة المعولمة، تتأثّر حتماً بالخلل الذي أصاب الأسواق العالميّة بسبب أزمة الائتمان، والآن بسبب موجة الركود التي ترعب المستثمرين وتدفع مؤشّرات البورصات إلى مستويات متدنيّة قياسيّة.
ولكنّ هذا التأثّر قد يكون محصوراً قياساً بالمؤشّرات الاقتصاديّة وموقع اقتصاد إسرائيل في الاقتصاد الكوني. فحتّى الآن لم تظهر تأثيرات الأزمة بشقّها المالي (المتعلّق بالمنتجات الماليّة المسمّمة وبأداء المصارف) سوى في أعمال مصرف واحد بسبب انكشافه على الأوراق الماليّة المتعلّقة بالرهون العقاريّة الأميركيّة، إلّا أنّ حتّى هذا المصرف استطاع احتواء التأثير، ليكون في أمان مثلما هي حال جميع المصارف الأخرى المحميّة بسبب السياسات المحافظة التي تحدّث عنها رئيس المصرف المركزي، ستانلي فيشر، في الجمعيّة العامّة لمنظّمة «Jewish Federation» أمس.
غير أنّ الخطر الذي يحدق باقتصاد إسرائيل ينبع من انعكاسات الأزمة الماليّة على الجوانب الحقيقيّة من اقتصادات العالم. فمع دخول الولايات المتّحدة وأوروبا في مراحل ركود، وإمكان استمرار مرحلة الانكماش حتّى نهاية العام المقبل، تزداد التعقيدات بالنسبة إلى نموّ الاقتصاد الإسرائيلي الذي يبلغ حجمه 186 مليار دولار (بحسب معيار القدرة الشرائيّة). فهذا الاقتصاد يعتمد على الصادرات، وإن 45 في المئة من مجمل السلع المنتجة في إسرائيل تُصدّر. وتمثّل المبيعات إلى الولايات المتّحدة 15 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، وهي النسبة نفسها التي تمثّلها المبيعات إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
وهكذا، فإذا انخفض الطلب الأميركي والأوروبي دراماتيكياً، فستجد الدولة العبريّة نفسها لا محال متّجهة نحو ركود، لأنّ نسبة نموّ تقلّ عن 1.7 في المئة تعتبر صفراً، نظراً إلى النموّ السكاني الكبير الذي تشهده الدولة اليهوديّة، حسبما تنقل وكالة الأنباء الصينيّة، «شينخوا»، عن كبير الاقتصاديّين في مؤسّسة الاستثمارات، «Psagot Ofek»، فيريد دار.
ومن هذا المنطلق، وطبقاً للهواجس المذكورة، عرض وزير المال الإسرائيلي روني بار أون أمام الحكومة المصغّرة المكلّفة الشؤون الاقتصاديّة، أمس، خطّته لإنعاش الاقتصاد،التي تفترض أساساً زيادة الإنفاق الاستثماري الحكومي بنسبة 41 في المئة مقارنة بالعام السابق، لتصبح 5.4 مليارات دولار.
وحسبما نقلت التقارير الإعلاميّة، فإنّ الخطّة تستهدف «تطوير البنى التحتية الوطنية في قطاع المواصلات العامة وشبكة الطرقات والبناء والطاقة والسياحة». وتنصّ أيضاً على زيادة ميزانية البحث وتشجيع القروض للشركات الصغيرة ودعم تنمية صحراء النقب والجليل، وهما منطقتان فقيرتان.
من جهة أخرى، فإنّ المصرف المركزي قام بخفض سعر الفائدة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من 4.5 في المئة إلى 3 في المئة، بهدف تحفيز الإنفاق. وبحسب فيشر، فإنّه سيستمرّ بجهود تحفيز الاقتصاد وبمراعاة إجراءات كبح التضخّم في الوقت نفسه. وفي هذا الشأن، لفت بار أون إلى أنّ على المصرف خفض سعر الفائدة مجدّداً.
«من المهمّ جداً في وضع كهذا الحفاظ على المنظور (السليم) والحفاظ على الهدوء»، يشدّد فيشر، مشيراً إلى «أنّنا (نواجه المصاعب) أفضل من معظم الاقتصادات» الباقية في العالم». ولكنّ العراقيل السياسيّة إضافة إلى البلبلة التي يولّدها عدم إقرار موازنة عام 2009 بسبب اقتراب موعد الانتخابات (10 شباط المقبل) قد تطيحان بالجهود المطروحة لتحفيز الاقتصاد، وتذكّران الدولة اليهوديّة بالركود الذي سيطر على اقتصادها بين عامي 2001 و2003.
ففي ردود الفعل على الخطّة المقترحة، ينتقد رئيس تجمّع النقابات الاسرائيلية، «هستدروت»، عوفر عيني، الخطة، ويهاجم وزارة المال بسبب عدم التزامها بضمان قيمة الصناديق التقاعديّة.
وبالتالي، فإنّ اقتصاد إسرائيل الذي يقول الرئيس السابق لدائرة العائدات في وزارة المال يورام غاباي، في مقال نشرته صحيفة «Jerusalem Post»، إنّه «معجزة»، قد يواجه مطبّات أصعب من تلك التي عاقت نموّه في ثمانينيّات القرن الماضي، التي اعتبرت «عقداً ضائعاً» على صعيد النموّ.


عجز مرتقب

شهدت موازنة إسرائيل عام 2007 توازناً، إلّا أنّ المصرف المركزي يتوقّع أن تنتهي هذا العام بتسجيل عجز بسيط قد تصل نسبته إلى 1.6 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي. وخلال السنوات الماضية، انخفضت نسبة الدين العام إلى الناتج من أكثر من 100 في المئة إلى حوالى 80 في المئة. ويتوقّع المحلّلون أن يتجنّب ميزان المدفوعات، الذي شهد فائضاً بلغ 6 في المئة من الناتج المحلّي عام 2006 و3 في المئة عام 2007، الضغوط التي سيفرضها العجز المذكور.