strong>يزداد تأثّر بلدان مجلس التعاون الخليجي بالأزمة الماليّة العالميّة، في ظلّ انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسيّة منذ نحو سنتين. وهذا التأثّر يُلحظ في قطاعات عديدة. وفي دبي التي عاشت فورة في قطاع العقارات، بدأت منذ فترة أسعار المنازل والشقق والفيلات بالانخفاض مع إقبال المستثمرين على البيع بكثرة للحصول على السيولة
رفضت دبي أوّل من أمس الشائعات التي تفيد أنّها تبحث الحصول على قروض من العاصمة الإماراتيّة، أبو ظبي، للتكيّف مع الأزمة الماليّة القائمة، التي خلقت جوّاً من عدم اليقين والحذر بين المستثمرين، ودفعت الأسواق نحو حافة خطرة، في ظلّ تقلّص النشاطات الائتمانيّة، وسعي اللاعبين في السوق إلى تسييل أصولهم لتغطية مراكز ماليّة في قطاعات خطرة. ولكن التقارير تتزايد بشأن كيف أنّ دين الإمارة الذي يفوق الـ60 مليار دولار أصبح يمثّل شبه عبء في ظلّ صعوبة الحصول على التمويل، وخصوصاً أنّ أسعار النفط أضحت تغازل حاجز الـ50 دولاراً للبرميل، وقد انخفضت أمس، دون هذا الحاجز مع تراجع البورصات حول العالم، بعدما أطلقت الأسعار القياسيّة للوقود الأحفوري فقاعات في ميادين عديدة.
ومن المعروف أنّ دبي شهدت خلال السنوات الماضية ارتفاعاً خارقاً في أسعار العقارات، أدّى إلى نشوء فقاعة بدأت الآن حسبما يتّضح عمليّة تنفيسها، لتتحوّل ربّما إلى مرحلة الانفجار. فوكالة «رويترز» تفيد نقلاً عن مصادر في القطاع، أنّ مبيعات العقارات المتعثرة في دبي تتزايد مع إقبال المستثمرين على التخلص من الوحدات السكنية تحت وطأة الأزمة الائتمانيّة. وهذا الأمر يتزامن مع تقلّص حجم الإقراض العقاري لأنّ المقرضين يتخوّفون أن تتحوّل أموالهم إلى استثمارات خاسرة لا تردّ استحقاقاتها. وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «أملاك» للتمويل العقاري أوّل من أمس، أنّها أوقفت عمليّة منح قروض جديدة، وذلك خوفاً من التداعيات المرتقبة التي يمكن أن تشهدها السوق.
فالنمط المعقّد الذي تسري على أساسه عمليّات البيع والشراء في الإمارة النفطيّة، قد يصل بالمستثمر إلى مرحلة من العجز يطلق فيها العنان لـ«عامل دينامو» يبخّر أموال كثيرة. فمستثمرون كثيرون يقومون بتوظيف الأموال في شقق كثيرة من خلال عمليّة استثمار اصطناعيّة قائمة على مبدأ استخدام أموال الغير في الاستثمار (Leveraging). وإذا تعرقلت مبيعات الشقق التي راهنوا عليها فإنّ استحقاقاتهم ستتعرّض لخلل يهدّد بإفلاسهم.
ومن هذا المنطلق تظهر خلال هذه الفترة عروض كثيرة لبيع الشقق. وكمثال على ذلك، قامت شركة «اليسيان» العقارية بالترويج لمبيعات عقارية تعثّر أصحابها في السداد. وتعرض للبيع فيلا فاخرة تتكون من 6 حجرات نوم و6 حمامات في مشروع «دبي لاند» الذي تبلغ استثماراته مليارات الدولارات، بـ5.72 مليون دولار، أيّ ما يمثّل نصف السعر الأساسي!
وإلى جانب الخلل الناشئ في سوق العرض والطلب، تقوم الشركات العقاريّة بإعادة هيكلة استراتيجيّاتها من أجل التكيّف مع الواقع الجديد. وتدرس عمليّات خفض الأكلاف من خلال إلغاء عمليّات تطوير معيّنة أو من خلال إلغاء الوظائف. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنّ الشركة العقاريّة العملاقة «نخيل»، تعيد التفكير في سياسة التوظيف فيها، إضافةً إلى إدخال تعديلات على طبيعة عمليّة التوسّع التي تعتمدها بسبب التراجع الاقتصادي.
وتنقل وكالة «أسوشييتد برس» عن الشركة قولها إنّها لا تزال تعتقد أنّ الأسس الاقتصاديّة التي تحكم الأعمال في دبي قائمة وفعّالة حتّى الآن، ولكن يجب إجراء بعض التغييرات في ظلّ «الحركيّة السلبيّة للاقتصاد العالمي». وتشير إلى أنّ «الأشهر المقبلة ستشهد إعادة توجيه لأعمالنا في بعض المشاريع لمجاراة التحوّلات في الطلب».
ويأتي هذا التطوّر بعدما كانت شركة «ديار» قد كشفت الأسبوع الماضي عن أنّها ستمضي قدماً بإنهاء المشاريع القائمة، إلّا أنّها مضطرّة إلى إعادة النظر في المشاريع المستقبليّة. وذلك بموزاة إعلان الشركة الرائدة في القطاع العقاري، «إعمار» أنّها تبحث خفض الأكلاف من خلال تعديل سياسة التوظيف فيها، وتماهياً مع لجوء شركة «داماك» إلى إلغاء 200 وظيفة أو ما يمثّل 20 في المئة من قوّتها العاملة. ومن جهة أخرى، يظهر أنّه حتّى أسعار العقارات الفخمة تخضع لنمط التراجع الذي تجري على أساسه السوق. فمنذ أيلول الماضي، انخفضت أسعار العقارات في جزيرة «نخلة الجميرة» الاصطناعية بحوالى 40 في المئة. وذلك بعدما أعلنت «نخيل» التي تبني الجزيرة في إطار مشروع استثماري ضخم يضمّ ثلاث جزر، ويتوقّع أن يحوي منازل لأكثر من مليون نسمة، أنّ العمل في أكبر تلك الجزر، «نخلة الديرة» يعاد النظر في نمطه.
وفي هذا السياق، تنقل «رويترز» عن مدير المبيعات في شركة «أليسيان»، روبرت ماكنير، قوله إنّ عدد أصحاب العقارات الذي يحتاجون «بصورة ماسّة» إلى البيع يزداد ازدياداً كبيراً، مضيفاً إنّه «قد يكون الأمر أنهم مقبلون على سداد دفعة كبيرة، أو أنهم يتوقعون انخفاض السوق الشهر المقبل، فهناك إحساس حقيقي بالاستعجال».
(الأخبار)


التغلّب على النفس!

أدّت شركة «نخيل»، التابعة إلى شركة «Dubai World» المملوكة لحكومة دبي، دوراً كبيراً في صياغة الصورة المعاصرة والحديثة للمدينة الإمارتيّة. وهي تبحث عن تحدّيات جديدة في قطاع العقارات تتغلّب فيها على نفسها!. فعلى الرغم من أنّ عملها في بناء أطول برج في العالم لم ينته بعد، تبحث خططاً لتشييد مجمّع أطول منه (أربعة مبانٍ و200 طابق مع 150 مصعداً) سيمثّل محور منطقة «New Dubai» التي تنمو بقوّة، وسيستغرق العمل لإنجازه عشر سنوات تقريباً. ولكن في ظلّ التراجع الحادّ في أسواق العقارات، لا أحد يعلم ماذا يخبّئ المستقبل.